متى يلجأ المتقاضي إلى رد القاضي؟ (1)
المقصود من طلب الرد هو إبعاد القاضي الذي يقوم في حقه سبب من أسباب الرد التي حددها القانون إذا عنَّ للخصم ذلك تحقيقًا لجوهر استقلال القضاء وتنزيها للسلطة القضائية، ولذلك تدخل المشرع بالقانون رقم 23 لسنة 1992 بتعديل بعض أحكام رد القضاة بما يضمن جدية طلبات الرد واستعمالها فيما شُرعت من أجله ويكفل القضاء على إسراف بعض الخصوم في استعمال الحق في طلب رد القضاة خصوصًا في بعض المنازعات ذات الطبيعة الخاصة لأسباب غير جدية، وبما يضمن عدم إساءة استعمال الخصوم لهذا الحق لتحقيق أغراض غير تلك التي شُرع من أجلها، وأبرزها تعطيل السير في الدعوى المنظورة أمام المحكمة وإعاقة الفصل فيها بغير مسوغ مشروع.
ولذلك جاءت المادة (146) من قانون المرافعات المدنية والتجارية رقم 13 لسنة 1968 تنص على إنه يكون القاضي غير صالح لنظر الدعوى ممنوعًا من سماعها ولو لم يرده أحد من الخصوم في الأحوال الآتية:
1ـ إذا كان قريبًا أو صهرًا لأحد الخصوم إلى الدرجة الرابعة
2ـ إذا كان له أو لزوجته خصومة قائمة مع أحد الخصوم في الدعوى ومع زوجته
3ـ إذا كان وكيلًا لأحد الخصوم في أعماله الخصوصية أو وصيًا عليه أو قيمًا أو مظنونة وراثته له، أو كانت له صلة قرابة أو مصاهرة للدرجة الرابعة بوصي أحد الخصوم أو بالقيم عليه أو بأحد أعضاء مجلس إدارة الشركة المختصمة أو بأحد مديريها وكان لهذا العضو أو المدير مصلحة شخصية في الدعوى.
4ـ إذا كان له أو لزوجته أو لأحد أقاربه أو أصهاره على عمود النسب أو لمن يكون هو وكيلًا عنه أو وصيًا أو قيمًا عليه مصلحة في الدعوى القائمة.
5ـ إذا كان قد أفتى أو ترافع عن أحد الخصوم في الدعوى، أو كتب فيها ولو كان ذلك قبل اشتغاله بالقضاء، أو كان قد سبق له نظرها قاضيًا أو خبيرًا أو محكمًا، أو كان قد أدى شهادة فيها.
رد القاضي
وتنص المادة (148) من ذات القانون على إنه يجوز رد القاضي لأحد الأسباب الآتية:
أولًا: إذا كان له أو لزوجته دعوى مماثلة للدعوى التي ينظرها، أو إذا جدت لأحدهما خصومة مع أحد الخصوم، أو لزوجته بعد قيام الدعوى المطروحة على القاضي ما لم تكن هذه الدعوى قد أقيمت بقصد رده عن نظر الدعوى المطروحة عليه.
ثانيًا: إذا كان لمطلقته التي له منها ولد أو لأحد أقاربه أو أصهاره على عمود النسب خصومة قائمة أمام القضاء مع أحد الخصوم في الدعوى أو مع زوجته ما لم تكن هذه الخصومة قد أقيمت بعد قيام الدعوى المطروحة على القاضي بقصد رده.
ثالثًا: إذا كان أحد الخصوم خادمًا له، أو كان هو قد اعتاد مؤاكلة أحد الخصوم أو مساكنته، أو كان تلقى منه هدية قبيل رفع الدعوى أو بعده.
رابعًا: إذا كان بينه وبين أحد الخصوم عداوة أو مودة يرجح معها عدم استطاعته الحكم بغير ميل
الدستور
سيادة الدستور وعُلوَّ حكمه على هامات الأفراد وكل السلطات العامة وحتمية احترام وتقديسه أساس وركن من أسس نظام الحكم في الدولة، وأن سيادة القانون لا تقوم إلا بإحترام وتقديس إستقلال القضاء وحصانته، وكلاهما الضمان الجوهري لحماية الحقوق والحريات.
وإذا كان المشرع الدستوري قد كفل لكل إنسان حق التقاضي وحق الدفاع، فإنه كفل للقضاء إستقلاله وحصانته بقصد تحقيق المشروعية وسيادة القانون، ومن ثم فلا يسوغ للكافة إساءة إستخدام حق التقاضي أو حق الدفاع بما لا يتفق وأستقلال القضاء أو المساس بحصانتهم وهيبتهم أو يؤدي إلى تعويق قيامهم بواجبهم في أداء رسالتهم، وجوهريًا سيادة القانون وحسم المنازعات والفصل في الدعاوى والأقضية التي تدخل في ولايتهم وفقًا لأحكام الدستور والقانون، ولذلك عني المشرع في قانون المرافعات بوضع الضوابط والشروط اللازم توافرها لتقديم طلب رد القاضي
وأسباب الرد مناطها وقائع محددة على سبيل الحصر، ومن بينها أن يكون بين القاضي وأحد الخصوم عداوة أو مودة يرجح معها عدم استطاعته الحكم بغير ميل، ولا يشترط في هذا المقام أن تصل العداوة إلى الخصومة التي ترفع إلى القضاء، كما لا يشترط في المودة أن تصل إلى حد المؤاكلة أو المساكنة أو قبول الهدايا أو تكون ناشئة عن زوجية أو قرابة أو مصاهرة.
فالعداوة أو المودة المقصودة في المادة 148 من قانون المرافعات كسبب للرد يتعين أن تكون شخصية، فهي علاقة ذاتية مباشرة بين القاضي وأحد الخصوم تتمثل في أفعال محددة تنبئ عنها وتفصح عن حقيقتها، بل تعبر عن تلك الرابطة وتسبغ عليها وصف العداوة أو المودة، ولا يكفي الادعاء بوجود عداوة بين طالب الرد والقاضي المطلوب رده أو وجود مودة بين الأخير وأحد الخصوم، بل يجب أن يقوم عليها الدليل الذي يقطع بقيامها ويتمثل في أفعال وسلوك من جانب القاضي تتحلى فيها العداوة أو المودة، فإذا لم يقم ذلك الدليل فإن طلب الرد في هذه الحالة يكون غير قائم على سبب ويتعين رفضه.. وللحديث بقية