قرار تاريخى!
قرار تاريخى.. عمل تاريخى.. إنجاز تاريخى.. موقف تاريخى.. حدث تاريخى هكذا لجأنا إلى تفخيم القرارات والتصرفات والمواقف والأحداث بإطلاق وصف تاريخى عليها.. في البدء كان التفخيم مقصورا على المجال السياسى فقط، وتحديدا ما يخص القيادات من قرارات وتصرفات.. ولكن الأمر شاع وانتقل تقريبا إلى كل المجالات، حتى صرنا نسمع ونقرأ عن مباراة كرة قدم بأنها تاريخية، وعن فيلم تاريخى، ومسلسل تليفزيوني تاريخى، وعن مداخلة تليفزيونية تاريخية، وأيضًا عن تشجيع تاريخى لجمهور في المدرجات!
وإذا كان ذلك مؤشرا إلى أن المبالغة أضحت سمة مجتمعية في التعامل مع الأمور والأشخاص والمواقف، فإنه في ذات الوقت يفقد وصفا تاريخيا كأداة للتمييز بين ما هو عظيم من التصرفات والقرارات والمواقف وما هو غير ذلك أو ما هو عادى.. فإن الإفراط في استخدام وصف تاريخى لم يعد بذلك يصلح بعد أن تساوى في وصف تاريخى قرار مثل قرار تأميم قناة السويس أو قرار خوض حرب أكتوبر أو قرار عزل مرسى، وقرارات أخرى مثل تغيير لاعبين في مباراة كرة قدم، أو قرار انتقال لاعب من ناد إلى ناد آخر قدم له عرضا ماليا أكبر، أو قرار اعتزال ممثل التمثيل!
كما أننا ونحن حينما نفعل ذلك نتغافل عن أن كل شىء نقوم به الآن سوف يصير في الغد من عداد التاريخ.. أى أن كل قراراتنا وتصرفاتنا سوف تصبح تاريخية، سواء كانت هذه التصرفات والقرارات عظيمة أو تافهة أو حتى عادية.. وبذلك إطلاق وصف تاريخى على أمر ما، قرار أو تصرف أو عمل، لا يفيد في تمييزه ولا يجدى في التفاخر والإشادة به وأصحابه، لأن كل شىء في الحاضر سوف يصير تاريخيا في الماضى بلا استثناء! لذلك على هواة ومحترفي النفاق أن يبحثوا عن سبل أخرى غير وصف القرارات والأحداث والمواقف والأعمال بأنها تاريخية.. وأظن أنهم لن يجدوا صعوبة في ذلك الأمر لأن فنون النفاق عديدة ومتنوعة!