الفاسد الشريف!
عندما داهمتنا ظاهرة توظيف الأموال الخبيثة في الثمانينات حظي أصحابها، الذين سرقوا أموال المودعين وتسببوا في كوارث لآلاف الأسر، بدعم وتأييد ومناصرة عدد من رجال الدين المشاهير والصحفيين البارزين والمسئولين السابقين والحاليين وقتها.. وكان هؤلاء الداعمون لفساد شركات توظيف الأموال يمارسون كل فى مجاله الدعوة إلى الفضيلة والصلاح ومحاربة الفساد والإفساد!
أنها مفارقة صارخةْ جدا فضحتها لنا ظاهرة توظيف الأموال التي أفرختها لنا السوق السوداء للعملة في الثمانينات، التي أسس عدد من تجارها شركات لجمع الأموال من المصريين بحجةَ توظيفها وإغرائهم بدفع أرباح ضخمة في البداية.. لكن هذه المفارقة لم تختف بعد أن أجبرت حملاتنا الصحفية على مواجهة ظاهرة توظيف الأموال وملاحقة أصحابها قانونا، بل استمرت في أشكال شتى مختلفة، كما كانت موجودة أيضا في أشكال أخرى قبل ظاهرة توظيف الأموال..
ولعل أبرز هذه الأشكال هو قبول البعض أموال من الداخل والخارج بغير عمل، سرا غالبا وعلانية أحيانا، وفي ذات الوقت الذى يستنكر فيه فعل الآخرين ذلك ويشن الهجوم عليهم، أو التباهى علنا برفض الحصول على تلك الأموال من أحد المصادر والحصول عليها سرا من مصدر آخر!
إن الأخلاق لا تتجزأ.. ولا يستقيم أبدا أن نمارس الفضيلة لبعض الوقت فقط ونمارس الفساد في أوقات أخرى.. ولا يصح أن نقبل بأمور ونأتى بأفعال تتعارض مع ما ندعو إليه أو نهاجم الآخرين على القيام بها.. إن رفض الحصول على أموال بلا جهد يجب أن يكون إلتزاما دائما بلا استثناءات هنا أو هناك، مهما كانت المبررات ومهما إختلف من يقدمون هذه الأموال! فليس هناك صلاح لبعض الوقت، أو ليس هناك في الحياة وقتا مستقطعا لممارسة الفساد فيه.. كذلك ليس هناك لصا شريفا حتى ولو تصدق ببعض ما سرق للمحتاجين!