إنسانية زائفة!
على مدى خمسةْ أيام من الاهتمام الإعلامى عالميا بحادث سقوط الطفل المغربى ريان في بئر بإحدى المناطق الجبلية بدا وكأن أهل الكرة الأرضيّة قد استردوا إنسانيتهم التى فقدوها!.. فقد توحدت آمال بشر كثيرين في أنحاء متفرقة من العالم حول أمر واحد فقط هو نجاح عمليات إنقاذ هذا الطفل وانتشاله حيا من البئر التى سقط فيها وعلاجه مما أصابه جسديا ونفسيا، وتأهيل أسرته من الصدمة لتكون جاهزة للتعامل معه.
لم يكن فقط أهالى قرية ريان وحدهم أو حتى أهالى المغرب كلهم هم الذين إتجهوا إلى السماء داعين الله عز وجل لإنقاذ الطفل صاحب الخمس سنوات، وإنما شاركهم ذلك أهالى بلدان مختلفة من العالم مختلفين في الدين واللون والجنس واللغة وفي كل شىء.. وربما هذا ما أغرى البعض بالحديث عن عالم ما بعد إنقاذ الطفل ريان، على غرار الحديث عن عالم ما بعد جائحة كورونا التى داهمت البشرية قبل أكثر من عامين!
معايير الإنسانية
فأن مأساة الطفل المغربى أنعشت آمال البعض في أن تسترد البشرية إنسانيتها.. أى أن تنتشر وتسود القيم الانسانية على سطح الكرة الأرضية لتخلصها من الكثير من المآسي والكوارث والصراعات الدامية!
لكنه كان مجرد حلم مستحيل المنال.. ففى الوقت الذى كان فيه الإعلام العالمى يهتم بمأساة الطفل المغربى ريان ومحاولات إنقاذه، كان هذا الإعلام لا يكترث لمأساة أطفال لاجئين تَرَكُوا في العراء على حدود بعض الدول لا يقيهم شيئا من برد الشتاء وصقيعه، ولا يهتم أيضا ل أطفال حرمتهم دول توصف بأنها متقدمة من لقاح كورونا بعد أن احتكرته، ومنها دول تخلصت من كميات كبيرة من اللقاحات بعد انتهاء فترة صلاحيتها!
كما أن هذا الإعلام لم يمنح أى قدر من الإهتمام أيضا ل أطفال كثر في منطقتنا حرموا من الحق الأول من حقوق الإنسان وهو حق الحياة، لانهم يعيشون في مناطق صراعات اندلعت برعاية دول أخرى استثمارا لإنقسامات طائفية وعرقية وسياسية، مثلما يحدث في سوريا وليبيا والعراق واليمن والسودان وإثيوبيا، أو لأنهم يعيشون تحت الإحتلال مثل أطفال فلسطين!
وثمة مفارقة صارخة تكشف عن مأساة الانسانية كلها في عالمنا.. ففى الوقت الذى تكثف فيه الاهتمام الإعلامى العالمى بمأساة الطفل ريان دكت الطائرات الامريكية قنابلها على روؤس أطفال في عمره في الأراضي السورية لكى تقضى على زعيم داعش الجديد!
إذن.. إنها إنسانية زائفة.. غير حقيقية.. أو هو تظاهر فقط ب الانسانية.. أما الوحشية فمازالت للأسف الشديد هو العنوان الصائب والمعبر عن عالمنا وما يحدث فيه، وسيظل كذلك إلى أن يرث الله الأرض وما عليها.