أنت غشاش!
الغش لا يقتصر ممارسته على التجار والمنتجين وحدهم الذين يبيعون سلعا غير صالحة أو لا تتوفر فيها الشروط الصحية وشروط السلامة والأمان، إنما يتسع ارتكاب جريمة الغش ليشمل من يمارسون مهنة بيع الكلام أيضا سواء كان مسموعا أو مقروءا، شفويا أو مكتوبا.. لذلك يدخل في زمرة الغشاشين أيضا إعلاميون وصحفيون ورجال دين ممن احترفوا تقديم الفتاوى الدينية حتى وإن لم تطلب منهم!
بل لعل الغش في الكلام أخطر من الغش في السلع والخدمات.. فإذا كان جوهر النوع الأول من الغش هو سرقة الأموال من المستهلكين حتى ولو هدد ذلك حياتهم أحيانا، فإن جوهر النوع الثانى هو سرقة عقول الناس واستلاب تفكيرهم وتضليلهم وخداعهم.. وهنا تكمن الخطورة البالغة لغش الكلام.. فهو قد يحول الإنسان العادى المسالم والمتسامح إلى وحش آدمى ينطلق يقتل ويخرب ويدمر ما تطوله يده.. إلا أنه دوما يهدد استقرار المجتمعات ويلحق الأذى بأمن اَهلها، لأنه يساعد على التمادى في الأخطاء ويعطل إصلاح الأحوال التى تحتاج لإصلاح، أى يجهض نهوض الأمم وتقدم الدول..
وبذلك فان جريمة الغش في الكلام أخطر وأفدح من جريمة الغش في السلع والخدمات، ومع ذلك فإن هذه الجريمة لا يحاسب عليها أحد ولا يعاقب عليها القانون، لأن الغشاشين يعتبرون ما يقومون به نوعا من إبداء الرأى الذى يسمح به القانون ويقره الدستور..
لذلك فإن الغش في الكلام مستمر من قبل إعلاميين وصحفيين ورجال دين وأيضًا مسئولين ولا يتوقف ولا يجد من يوقفه، رغم خطورته البالغة.. وهنا لا سبيل أمام المجتمعات التى تدرك خطورة الغش في الكلام سوى عقوبة التجريس الشهيرة لكل من يغش في الكلام.. أى يتعين أن يجد كل من يرتكب هذه الجريمة من يقول له أنت غشاش!.. وفي أمثالنا الشعبية يعد من الشجاعة مواجهة من يرتكب خطأ بما فعله ونقول له فى وجهه أنت أعور.