علي جمعة: التصوف السني اهتم بالنص الأصلي للقرآن والباطنية قضت عليه
قال الدكتور علي جمعة، المفتي السابق للجمهورية، إن القرآن نص يتعلق إدراكه بفهم اللغة، ومعناه الأصلي الذي يمكن أن يترجم من لغة إلى لغة أخرى، مع مراعاة التطور الدلالي للألفاظ، ويكون مختلفًا في اللغات المقدسة.
المعنى الأصلي للقرآن الكريم
وقال علي جمعة إن المعنى التابع للقرآن هو أكثر تعددًا وأكثر احتياجًا إلى الضوابط، التي لا تجعله يميل إلى الرمزية، يكون هذا هو الفارق المهم بين التصوف السني، الذي فهم معاني كثيرة من النصوص الشرعية خاصة القرآن الكريم ضمها إلى المعنى الأصلي الذي تمسك به، وبين الباطنية التي جعلت ذلك المعنى التابع يقضي على المعنى الأصلي.
وكتب الدكتور علي جمعة تدوينة على الفيس بوك "القرآن الكريم قد نزل بلغة العرب، وما دام هو نص يتعلق فهمه بإدراك اللغة، فدائما يكون له معنى أصلي، ويكون له معنى تابع، أما المعنى الأصلي فهو ذلك المعنى الذي يمكن أن يترجم من لغة إلى لغة أخرى، والذي يستفاد من دلالة الألفاظ في صورتها المعجمية، ومن تراكيب السياق، وما يتبادر منها إلى ذهن أهل تلك اللغة، مع مراعاة التطور الدلالي للألفاظ، والذي نراه مختلفًا في اللغات المقدسة، ونعني بها تلك التي بها نصوص مقدسة تتعلق بالأديان (كالعبرية، والآرمية، والسنسكريتية، والعربية) وهو أمر يختلف عن قداسة اللغة"
المعنى الأصلي والمعنى التابع
وقال "والمعنى الأصلي تعدده محصور، أما المعنى التابع فهو أكثر تعددًا وأكثر احتياجًا إلى الضوابط التي لا تجعله يميل إلى الرمزية، أو يوغل في الإغراب، ومن شروطه المهمة أن لا يكر على المعنى الأصلي بالبطلان، بل يضيف إليه معنى جديدًا ينضم إليه ولا يلغيه".
وأضاف جمعة "وقد يكون هذا هو الفارق المهم بين التصوف السني، الذي فهم معاني كثيرة من النصوص الشرعية خاصة القرآن الكريم ضمها إلى المعنى الأصلي الذي تمسك به، وبين الباطنية التي جعلت ذلك المعنى التابع قاضيا على المعنى الأصلي؛ بحيث صار هو الأصل، والمعنى الأصلي هو الحجاب للفهم".
وتابع "ولقد ألف الإمام الغزالي كتابه (فضائح الباطنية) من أجل الكشف عن هذا المعنى، والرد عليهم، وبيان فساد مذهبهم؛ لأن مزية القرآن أنه جاء خطابا للعالمين، فلا يمكن قبول نظرية التفسير الرمزي أو الباطني الذي يجعله مفهومًا عند بعض الناس، وغير مفهوم عند أكثرهم".
اللغة وعلماء المسلمين
وقال: "إن اللغة قد اشتملت على ما أسماه علماؤها فيما بعد بالحقيقة والمجاز، أما الحقيقة فهو أن نستعمل اللفظ في معناه الذي وضعه واضع اللغة ابتداء، وواضع اللغة عند جماهير علماء المسلمين هو الله سبحانه وتعالى، ويستدلون على ذلك بقوله تعالى: (وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاءَ كُلَّهَا) [البقرة:31]، والأسماء هنا هي ألفاظ وضعت بإزاء معان أو ذوات وأعيان معينة، وهذا هو حقيقة الوضع اللغوي، هو جعل اللفظ بإزاء المعنى، أما المجاز فهو استعمال ذلك اللفظ في معنى لم يوضع له، ويدل على ذلك قرينة، ولابد من وجود علاقة بين اللفظ وبين هذا المعنى".
وأختتم علي جمعة حديثه قائلًا: "ولقد عدوا هذه العلاقات التي يمكن أن تكون بين اللفظ وبين معانيه الأخرى سوى معناه الحقيقي، فوجدوها أكثر من خمس وعشرين علاقة؛ منها: دلالة اللفظ على جزء معناه، أو دلالته على معنى أعم، أو دلالة على المحل أو على الحال، أو باعتبار ما سيكون، أو باعتبار ما كان، إلى آخر هذه العلاقات التي اهتم بها علماء البلاغة، واهتم بها أيضا علماء أصول الفقه، من أجل فهم صحيح، مؤسس على منهج علمي رصين للنص الشرعي، سواء أكان كتابًا أم سنة".