شهيد الرحمة
اقتبست عنوان هذا المقال مما أطلقه الأهالى على الشاب النبيل المرحوم بإذن الله تعالى، ابن محافظة المنيا، بلال عزيز راضي، الذى ضحى بحياته من أجل إنقاذ روح مسكينة قد لا يعبأ بأنينها وصراخها الناس.
كان بلال في طريقه إلى عمله باليومية صباحا، في مدينة 15 مايو، وبينما يسير فى أحد الشوارع الجانبية سمع أنين قطة صغيرة تصرخ، تتبع الصوت حتى وجده صادرا من داخل أحد أكشاك الكهرباء الذي يبدو أن تلك القطة حاولت اللجوء إليه للاحتماء من البرد، واتخذ القرار بأن يحاول إخراج القطة الحبيسة من هذا الكشك.
إنقاذ القطة
كان بصحبته أصدقائه، الذين حاولوا إثناءه عن هذا، محذرين إياه من مغبة المخاطرة والتعرض للصعق الكهربائي، فكان جوابه واحدا مع كل محاولة:"دي روح ربنا ها سيسألنا كلنا عنها". ومد بلال يده لاخراج الصغيرة، ولكن سبقته يد القدر والموت، فباغته التيار الكهربائي هو والصغيرة، فماتا سويا فى غمضة عين.
شيعه الآلاف من أبناء قريته فى محافظة المنيا، وهم يثنون على خلقه القويم، وبره الموصول بأبيه وأمه وأسرته كافة والتزامه بالإنفاق على والديه، فضلا عن تركه زوجة شابة وطفلين صغيرين أكبرهما ابن 6 أعوام.
تسللت دموعي خلسة لتخرج منطلقة، وداعا لرحيل نفس رحيمة، لم تستصغر فعل الخير، وإنما وضعت المسئولية عن إحدى خلائق الله الضعفاء، نصب عينيها، فقدمت المحاولة، ولكن شاءت إرادة الله سبحانه وتعالى، أن تتوفى وتنفق القطة الصغيرة، وقد كانت آخر كلماته رحمه الله قبل وفاته: "دي روح ربنا هايسألنا كلنا عنها".
أعلم أن بلال رحمه الله، ربما أخطأ التقدير فى المغامرة التى أودت بحياته، ولكن نداء الرحمة فى قلبه وفطرته النقية السليمة التى جبلت على الخير والحب وفق شهادة أهل قريته، كانت تحركه بلا شعور بأن يقدم على فعل أى شئ في سبيل إنقاذ تلك الروح المستغيثة.
أتمنى من السيدة الفاضلة الدكتورة نيفين القباج وزيرة التضامن الاجتماعى، وأعلم مدى إنسانيتها، المسارعة بتخصيص معاش مناسب لأسرة بلال، إذ كان "أرزقي باليومية" ليس له دخل ثابت، كي تستطيع أسرته أن تواصل حياتها.
لقد أعطى بلال الجميع درسا بالغا، ربما كنا نحتاج لسنوات وسنوات كى نتعلمه، أن النفس تسمو بخلق الرحمة، وأولى الخلائق بثمار تلك الرحمة، من لا يتسولون ولا يسرقون، ليس لهم لسان يطلب، أو عقول تمكر، رحمك الله بأذنه تعالى يا "شهيد الرحمة" وجعل لين قلبك طريقا لك إلى الجنة.