شيطان الملوك.. لماذا يرفض التحول الرقمي؟
بعد المقال السابق المعنون «المهدي سيفضحهم.. المهدي سيسحقهم» رفضت تمامًا زيارة أحد أصدقائي بصحبة من سماه عالم روحاني متخصص في تناسخ الأرواح والسقوط النجمي، وغير ذلك من الأمور التي لا دراية لي بها، فأنا لا أتقبل فكرة إسقاط ما في الأحلام على الواقع، ورحبت في ذات الوقت بزيارة أستاذ التاريخ بأحد الجامعات الذي طلب عدم ذكر اسمه، والذي قال: إن الرواية هي التاريخ غير الرسمي، وإن كانت مجرد سرد للأحلام أو حتى الأمنيات.
وكان اللقاء طيبًا دفعني لأكمل ما بدأت.. واستمرت الأحلام، وتنقل «أبو الشرف» من بلاط حاكم إلى بلاط سلطان، ومن أمير إلى خليفة، وفي كل مرة يتغير اسمه ولا تتغير الصفات السيئة، والأفعال الدنيئة، وينتهي الأمر بزوال مُلك الحاكم بسبب تضخم الفساد الذي تسبب فيه، فينتقل إلى زمان ومكان آخر، يحركه الطمع في الأموال والخوف من المهدي.
وارتضي «أبو الشرف» اللعنة التي حلت به، فقد ضمنت له تلك اللعنة حياةً طويلة في بلاط الملوك والأمراء، مهما أفسد وسرق، ومهما دبر من مؤامرات، ولم يعكر صفوه النهاية المحتومة على يد المهدي، فقد كان لدى «أبو الشرف» الأمل دائمًا في استخدام بعض الطلاسم لفك اللعنة في المستقبل، ولا يكون ذلك إلا عند الدجالين من حملة المباخر أمثال «سمورة العايق»، وهو شخصية أخرى ملعونة ومتكررة تجلس بجوار كل ذي منصب من أجل التلميع، ولا تفعل شيئًا سوى الثناء على الحاكم، والإدعاء بأن هناك من ينسج المؤامرات ضده، فيكون هو المقرب له، وأحيانًا يلعب دور المُهرج.
إنزيمات الكبد
وقبل أن أكمل ما جرى في تلك الجلسة مع الأصدقاء الأفاضل، أحدثكم عن انزيمات الكبد التي حيرت الأطباء وضغط الدم صعودًا وهبوطًا، حتى طلبوا مني حفنة من التحاليل والأشعات الجديدة ينوء بدفعها المواطن البسيط، وترددت كثيرًا، ونظرت إلى الجانب الإيجابي، إن ارتفاع الإنزيمات، والضغط المرتفع، وغير ذلك من الأمراض تزيد من أحلامي التي تضرب في أعماق التاريخ، وتأخذني وإياكم في جولة تجمع بين الشغف والرهبة
وقصصت على الأصدقاء أنني رأيت المُلقب بـ شيطان الملوك «أبو الشرف» يُشوش على عبادة الإمام جعفر الصادق، وتعجبت كل العجب، وقررت إجراء التحاليل والأشعات خوفًا من تغلغل تلك الأحلام الى عقلي، فما علاقة «أبو الشرف» الملعون بالإمام جعفر؟ ولماذا يقطع عليه عبادته، وما الذي أغضب الإمام حتى يلتفت وقد إحمر وجهه ثم ينظر الى السماء قائلًا: يا رب.
تدخل صديق، وهو المتبحر في العلوم الشرعية وعلم تفسير الأحلام قائلًا: عندي تأويلها، فسأله الجميع بفضول، ولكني لم أفعل، فالأمر كله ارتفاع في إنزيمات الكبد، ولكنه قال: إن الإمام جعفر الصادق رمز للاستقامة، والتي لا تكون إلا بإحكام الرقابة على النفس، و«أبو الشرف» عدو الرقابة، فتجده في العصر الحديث يرفض الميكنة والرقمنة والحوكمة التي تعوق فساده، ولا يعيش إلا في الجزر المعزولة خشية افتضاح أمره، قالوا: صدقت، وقلت: إنزيمات وضغط وبوادر جلطة.
خزانة الدولة
ثم أخبرتهم بأني رأيت «أبو الشرف» وقد عُينّ بمؤامرة مجهول من أشباه «سمورة العايق» قائمًا على خزانة الدولة في عهد الخليفة المقتدر، لا رقيب ولا حسيب عليه، ثم رأيت محمد السماك مجذوب السيدة زينب يصيح: «المهدي سيفضحهم.. المهدي سيسحقهم»، وهنا مد أستاذ التاريخ يده الي فجأة مشيرًا إلي بالصمت، وكأنه إكتشف سر الجاذبية أو قانون النسبية، فالتزمتُ أنا والحاضرون الصمت، وقال: إن ما ترويه يا سيدي ليست أحلام ولا كوابيس، إنها نُبوءة.
وهنا حدث هرَّج ومرَّج بين الحاضرين، فمنهم من سخر من شخصي قائلًا بركاتك يا سيدنا الشيخ، ومنهم من ذكرهم ببعض أخطائي في الماضي، ولكن أسكتهم صوت أستاذ التاريخ بقوله إن النبوءة لا تشترط شخصًا ذا صفات ملائكية، إنما تتطلب شخصًا يبحث عن ضالة منشودة أو صاحب همةٍ معقودة، وأكد لهم أن النبوءة ستتحقق، فقالوا له: وما هي النبوءة؟، قال: «المهدي سيفضحهم.. المهدي سيسحقهم»، واحتدم النقاش، وأتفق الجميع على أن نلتقي لاحقًا لنُكمل النقاش بعد أن أكون قد استرحت، ويكون كل منهم أحضر دليلًا علميًا على صدق قوله، فقلت لعل.. وللحديث بقية