رئيس التحرير
عصام كامل

المهدي سيفضحهم.. المهدي سيسحقهم

تقلبت في فراش المرض لعدة أيام، بين ارتفاع وانخفاض في ضغط الدم، وبعض الأعراض الأخرى، فصرت كمن أصابته الحمى في أقصى درجاتها، ورأيت فيما يرى النائم أنني في مؤسسة قريبة الى قلبي، بها شيطان من مردة الجن، لم يقوً على طرده المشايخ والقُراء، عاث في الأرض فسادا، حتى يأس الجميع، واعتادوا وجهه القبيح، هو لصٌ محترف، ومرتشٍ، وفاسد منذ ولدته أمه، إن كانت الشياطين تلد.

 

ومع شدة الآلام والأوجاع تخلفتُ عن صلاة الجمعة وقلبي يتألم، وأصابتني غفوة رأيت فيها نفسي في صلاة الجمعة بمسجد محمد عزت باشا الملاصق للقلعة، رغم أن المسجد مغلق منذ سنوات، وتلفتت يميني فوجدت رجلًا يرتدي ثياب الفرسان، تعتري وجهه سمرة شمس مصر وفي عينيه بريقٌ دعاني أن أسأل الجالس على يساري: من هذا الرجل؟، فتعجب وقال: ألا تعرف المهدي؟ إنه يتأهب لمحاربة الفاسد أبو الشرف، وسيخرج جيشه من هذا المسجد.

 

ونظرت للشمس الحارقة فوجدت سقف بيتي،  وتعجبت من تلك الآلام التي ألمت بي، وسمعت صوت إمام المسجد عبر مكبر الصوت يتحدث عن آكل الحرام والمرتشي وغيرهما من أصناف الفساد، فتذكرت "أبو الشرف" بملامحه الهادئة الخادعة، وهو يتلون كالحرباء، وشرد ذهني في ذلك الفاسد بالفطرة، فرأيته يضحك من حسن نية القادة والسلاطين، إلى أن عكر صفوه أحد الخبثاء، وذكر له المهدي، فترك الطعام والتزم الصمت.

 

شمس المعارف

جلس الملعون "أبو الشرف" يندب حظه العاثر، فبعد كنز الأموال ظهر له المهدي ليبطش به، ولكن حاول أن يُطمئن نفسه فقال: انني أحتفظ بالمخطوط الأصلي لكتاب شمس المعارف الكبرى حين سقط من رجال تيمور لنك، ذلك الحاكم الذي تضاربت فيه الأقوال ولا يعلم حقيقته إلا هو، وفجأة انتفض جسدي لأجد من يناولني بعض جرعات الدواء، فقلت في نفسي إن هذا المرض لا نجاة لي منه، ولكني أخذت الدواء لأغط في نوم عميق.

 

وفي المنام رأيت مالا يُصدقه عقل، وجدت أشخاصًا عرفتهم في كتب التاريخ، ولكن لم يجمعهم زمان واحد، ونظرت إلى نفسي بملابس هذا الزمان بينما كل منهم يرتدي ملابس عصره الذي عاش فيه، والأدهى أن طلاسم كتاب شمس المعارف الكبرى كانت تتردد في أذني حين كنت أسير في شارع المعز لدين الله، وإختلط كلام الإنس بهرطقة الجن، ولم أقرأ إلا عبارتين اثنتين وسط الطلاسم والحروف، كانتا على كل الحوائط: المهدي سيفضحهم، المهدي سيسحقهم، سامح الله الاطباء، لقد فعل بي الدواء ما لم يفعله المرض، رحمة الله على ذاك الجسد.

 

عبارات مُبهمة

 

وسامح الله الأصدقاء المقربين، الذين ما أن قصصت عليهم ما رأيت وما سمعت من عبارات مُبهمة حتى سارعوا إلى تحليلها، وقراءة ما بين السطور، وأوكد لقرائي الأعزاء أن ما كان مني إنما هو أضغاث أحلام وشذرات أو أقوال أردت أن أشاركهم إياها، فلا حاجة لكتب التاريخ، ولا لتصفح الإنترنت، وتحميل نسخة من كتاب شمس المعارف الكبرى، فكل نسخه الحالية مزورة مثل دواوين محاسبة أبو الشرف التي أعدها منذ كان ببلاط الملك العادل، الذي كشف غشه وخيانته فأمر أحد العرافين حديثي العهد بالسحر وتسخير الجان أن يلعنه في كل زمان ومكان

 

وما زلت أستكمل مع حضراتكم ما بعد تلك الأحلام والأوهام، فأنا أعلم حرصكم على صحة كاتبكم المسكين، وأزف لحضراتكم البشرى، فقد تحسنت صحتي قليلًا، وفرح بي الأصدقاء المقربون، وظنوا أنني قد تعافيت تمامًا، فقرروا أن نجتمع على وليمة من الأسماك، ولما كان كاتبكم يعاني من الطعام الصحي الذي يجلب المرض، فقد إنقض على الطعام دونما شفقة، وكانت الطامة الكبرى، لقد أصبت بالتسمم، وكان ما كان.

 

فراش المرض

عدتُ مجبرًا إلى فراش المرض بأعراض جديدة، وآلام متجددة، وأصابتني غفوة رأيت فيها "أبو الشرف" وقد لعنه عراف الملك العادل ولكن اللعنة القت به في بلاط تيمور لنك، وهو الحاكم القادم من قارة أخرى الذي قتل زوجته وأستولى على ملك أخيها، وزعم أنه من نسل جنكيس خان، ويريد أن يعيد مجد المغول، وتمكن بجيشه من قتل السلطان العثماني، وقد بدأ حياته لصُا ثم انتهى به الأمر بقتل حوالي مليون شخص لتحقيق نزواته في الحكم والسيادة.

 

وكان شاه رخ وخليل سلطان من أهم رجال تيمور لنك، وكانت لعنة العراف لـ"ابو الشرف" قد صيرته للحياة لسنوات عديدة، يتعاقب عليه فيها ملوك وأمراء ويبقى هو ببلاطهم كلب مسعور عقور في صورة إنسان، فصار هو شاه رخ، ثم يموت على يد المهدي بعد أن يفضحه ثم يسحقه

 

 

وانتهت حياة شاه رخ وخليل سلطان بالخزي بعد زوال مُلك تيمور لنك ليجدا نفسيهما في زمان ومكان آخرين، ولأجد نفسي طريح الفراش مرة أخرى، أتألم وعائلتي من حولي يتألمون لما يسمعونه من همهمات غير مفهومة، ووجدت الدموع في عيون بعضهم، فسألت عن سبب البكاء، قالوا لا شيء، فعدت للنوم لأسمع من يقول: المهدي سيفضحهم، المهدي سيسحقهم، وهنا وجبت الاستراحة.. وللحديث بقية

الجريدة الرسمية