مشاهد من رحلة العمر
للأسف الشديد العبدلله من خلق الله الواضحين كتاب مفتوح سواء علي المستوي الإنساني في علاقاتهم الشخصية أو علي المستوي المهني والعملي في حياتهم العامة، ومن كثرة ما رأيت في رحلة عمرى وعرفته أصبحت كل الأمور عادية والاستغراق في توضيح الواضحات عبث وفراغ وتبلبل للعقل والضمير، عشت عمرًا بعيدًا عن الزحام لم أزاحم أحدً على طعام أو شراب أو وظيفة ولا منصب ولا شهرة، عشت بإحساس عميق بالغنا؛ بل بالاستغناء؛ وسعت للجميع وأفسحت لكل من اقترب مني، ولكل من عمل معي، لم أحاول أن أكون أفضل من غيري؛ بل أفضل من نفسي سابقًا؛ فعشت في وسع وفسحة وستر من الله، وكان الرضا هو مفتاح الراحة النفسية.
ويعتمد تحديد العمر النفسي للإنسان الذي يعد موازيا للعمر الزمني على عدد من المقاييس، أبرزها قدرة الإنسان على تخطي أو عدم تخطي المراحل أو التجارب الفاشلة في حياته، كما أن قدراته في تكوين دائرة واسعة من العلاقات الاجتماعية من الأشياء التي يتم من خلالها تحديد عمره النفسي، وهذا يتوقف على حجم تلك الدائرة، ومدى صحة كل علاقة تتضمنها. بينما تحدد التجارب الاجتماعية العمر البيولوجي للإنسان.
كلمة سر الحياة
وفي الحياة هناك أخطاء كثيرة؛ كأن تضع ثقتك فيمن ليسوا أهلًا لها، أو أن تستند إلى من لا يستطيعون تحمل المسئولية، وقد نسرف على أنفسنا لمصلحة من هم أقل شأنًا؛ ولكن كل ما يحدث للإنسان هو السبب فيه؛ لأنه صانع أقداره.. خلقه الله ومنحه العقل والحكمة وسيحاسبه على كل ما فعل غير أن الله يمنحنا دومًا الفرص لتصحيح الأخطاء. لذا عندما تختار اختار من يشبهك ليس طبقيا ولكن أخلاقيا شبه قيَمَك ومبادئك وأفكارك وعطائك، وتصرفاتك في طريقة المعيشة لأنك إن اخترت من لا يشبهك ستعيش عمرك غريبا بحثا عمن يشبهك وعلي هامش الرحلة اكتشفت أن الفشل الإداري كان سمة معظم العصور..
يأتي مثلا الوزير بشلته للوزارة، وهم كالغرباء ليس لديهم فكرة عن المكان، ويظلون في تجربة ودراسة المكان والأشخاص عامين بحد أدنى، وعندما يتعرفون على المكان تحدث تغييرات وزارية، فتأتي شلة جديدة وتكرر أخطاء من سبقها، وعلى العكس تمامًا كانت هناك بعض المواقع الحساسة يستمر رؤساؤها عقدين وثلاثة عقود على كراسيهم، فحولوها لعزب شخصية. وكان جيلي من دفع الثمن كاملًا من عمره وطموحاته، وعندما حان وقت الترقي كانت الدنيا غير الدنيا، ومر العمر كشريط سينمائي، ونحن مجرد مشاهدين في صالة عرض أقرب لقاعات العزاء بدون أن نحصل حتي علي فرصة لإدارة أفكارنا.
ويحكى أن مديرًا سأل: "ما هو أغنى مكان بالأرض؟" فأجاب بعضهم دول الخليج، وقال بعضهم إفريقيا؛ حيث مناجم الألماس؛ ولكن المدير قال إنها المقبرة؛ لأن ملايين البشر رحلوا وهم يحملون الكثير من الأفكار المدهشة التي لم تخرج للنور، ولم يستفد منها أحد سوى المقابر التي دفنوا بها، والفرد مهما كان ناجحًا لا يكون ناجحًا ما لم يؤثر بالإيجاب فيمن حوله بشرط الاستمرار؛ لأن النجاح ليس أن يكون لديك سيرة حياة خالية من العثرات والسقطات، وإنما النجاح أن تمشي فوق أخطائك ولا تتوقف؛ فنصف بيض الأسماك يتم التهامه، ومعظم الأمطار تسقط في المحيطات.. وهكذا فإن الفشل هو أن تتوقف عن المحاولة مرة واثنتين وعشرة؛ لتصبح كلمة سر الحياة إستمر.
خلاصة الرحلة.. إذا كسرتك الدنيا كسرًا موجعًا؛ فهو كسر يليق بها، وإذا خذلك الناس؛ فهذا خذلان يليق بهم، فاصبر ولا تجزع؛ لأن الجبار سيجبرك جبرًا يليق به، وليغلبن جبره جميع كسورك، ولتصلحن رحمته حزنك..المهم إستند بظهرك المائل إلى باب الصراط المستقيم، واترك ما يهمك في يد رحمن رحيم، ولا تشكو إلا إليه قال تعالـى:{ وَاسجُدْ وَاقتَرب.. لستَ بحاجة للسَّفر لتقترب إليه فقط اسجد تكن بين يديه، ثم اسألهُ ما تشاء.