معركة النفس الأخير بين الدولار واليوان
كان البيان الختامي لمؤتمر القمة الأمريكية الصينية الافتراضية الأسبوع الماضي بمثابة هدنة مؤقتة لمعارك شرسة للحرب الباردة بينهما للانفراد والهيمنة على الأسواق العالمية ومن أهمها الصراع بين الدولار واليوان فقد تصاعدت على مدى السنوات الماضية دعوات عالمية لفك ارتباط العملات بالدولار، بما فيها الجنيه المصري الذي ارتبط سياسيا بمصيدة الدولار، تزامنا مع فقدان قوة الورقة الخضراء في الأسواق العالمية مصحوبة بتراجع سياسي للولايات المتحدة على الصعيد العالمي أو بتدهور اقتصادي أمريكي يعاني منه المواطن الأمريكي نفسه.
وكانت أبلغ الدعوات للحد من هيمنة الدولار ما ورد على لسان رئيس المفوضية الأوروبية جان كلود يونكر أمام البرلمان الأوروبي في سبتمبر 2018، ووصف يونكر تسديد أوروبا لنحو 80 بالمائة من واردات الطاقة بالدولار الأمريكي بأنه ضرب من المستحيل مضيفًا: "من المضحك أيضا قيام شركات الطيران الأوروبية بشراء طائرات أوروبية بالدولار وليس باليورو!" النظام المالى العالمى بوضعه الحالى واعتماده على الدولار هو عملية احتيال عظمى مكتملة الأركان بدأت منذ ما يزيد على مائة عام ومازالت مستمرة حتى الآن.
تقليص هيمنة الدولار
وحقيقة الأمر أن الدولار الأمريكي المتداول حاليا لا قيمة مادية له على الإطلاق وهو مجرد ورقة تطبعها أمريكا كعملة ولا يوجد لها احتياطي من الذهب أو عملات أخرى مثل باقى الدول وذلك منذ قيام الرئيس الأمريكي نيكسون بإلغاء مبدأ تحويل العملة إلى ذهب عام 1971، وكلما زاد الطلب عالميا على الدولار زادت قيمته وفى هذه الحالة تستطيع أمريكا أن تطبع المزيد من الدولارات لتمويل احتياجاتها وجيوشها ورخائها على حساب العالم أجمع، بدورها سارعت الصين بإصدار قرارات مدوية باتجاه فك ارتباط عملتها اليوان بالدولار..
وبغرض التقليص من هيمنة الدولار قامت الحكومة الصينية بحزمة من التدابير منها: تعزيز التبادل مع الشركاء التجاريين بالعملة المحلية مقابل اليوان، أو باعتماد أسلوب المقايضة مع بعض الدول مثلا البترول أو المواد الخام مقابل الصادرات الصينية، مع ربط عملتها بأسعار الذهب، ما سيزعزع مكانة الدولار، والصين تعد ثاني أكبر مستورد للخام في العالم وراحت بكين تعقد اتفاقات مع نحو 39 دولة أخرى على اعتماد عملتها للقضاء على احتكار الدولار فى السوق العالمي..
تضارب مصالح
تعتمد خطة الصين لإنهاء سيطرة الدولار على تجارة ثلاث سلع رئيسية وهي النفط والذهب والفضة. وكانت قد ضاعفت احتياطاتها من الذهب في الوقت الذي تجر فيه الديون الاقتصاد الأمريكي إلى الحضيض شيئا فشيئا. الهدف إذن هو أن عندما يسقط الدولار الأمريكي ألا يتأثر بهذا السقوط سوي أمريكا وحلفائها ومعهم الشركات عابرة للقارات والجنسيات المسيطرة على أسواق العالم.
كما أن السعودية بدورها لم تكن بعيدة عن قطار الهروب من جحيم الدولار، عبر تحالف عقدته، في تسوية العلاقات التجارية بين الرياض وبكين، بتأسيس نظام لأسعار الصرف المباشرة بين عملتي اليوان الصيني والريال السعودي، مؤشرا لشراء الصين للنفط السعودي بعملتها مستقبلًا، فيما سيكون الدولار الأمريكي المتضرر الوحيد من هذه الشراكة المالية، بإلغاء تداوله في علاقات البلدين.
والرغم من التحالف الاستراتيجي بين الصين وروسيا، وتوافق السياسة الخارجية لكلا البلدين، إلا أن هناك تعارض وتضارب في المصالح يعيق تحقيق تحالف تام يحد من الهيمنة الأمريكية، فإزاحة هيمنة الدولار الأمريكي على الاقتصاد المالي العالمي، والحد من سيطرة الولايات المتحدة على النظام العالمي من الصعب تحققها في الوقت الراهن من قبل دولة منفردة صاعدة في حجم الصين أو روسيا أو الهند أو اليابان، أو حتى الاتحاد الأوروبي، لكن إذا توحدت جهود الصين وروسيا وتكاملت يمكن أن تحدث الفرق، فالقوة الاقتصادية للصين مع القوة العسكرية الروسية من الممكن إذا تقاطعت مع مصالح الاتحاد الأوروبي أو اليابان من الممكن أن تحد من سيطرة الدولار الأمريكي..
ولكن رغم كل ذلك فالإدارة الأمريكية تدرك جيدا أن الصين منافس قوي، لكن في ذات الوقت تعلم أن الاقتصاد الصيني يعتمد على السوق الأمريكي وعلى السوق الأوروبي، كما أن الاقتصاد الصيني لازال يعاني من بعض المشاكل البنيوية، المتصلة بالهيكل الصناعي الذي لازالت تلعب فيه المؤسسات المملوكة للدولة، والمؤسسات الريفية دورا مهما، وهذه المؤسسات تعاني من سوء في التسيير وانخفاض في نسب النمو، وضعف السيولة وتضخم عدد العاملين بها وتستمر المعركة بينهما بشراسة.