رسائل صديقتي سارة (1)
اعتدت أن أستيقظ كل صباح على رسالة في «الإنبوكس» من صديقتي سارة، وهو الأمر الذي لم ينقطع منذ سبع سنوات، حين كانت في بداية العشرينيات من عمرها، وها هي تعانق آخر سنوات عقدها الثالث، فبعد أشهر قليلة ستكمل عامها الثلاثين..
سارة مثلها مثل كثير من البنات في أيامنا هذه، على قدر معقول من الجمال، حاصلة على شهادة جامعية، وتعمل في وظيفة تضمن لها العيش دون الحاجة لطلب العون من أسرتها، إلا في مرات نادرة، وغالبا ما يحدث ذلك في النصف الثاني من الشهر..
أسرتها «مستورة»، أب على المعاش، وأم تعمل بوظيفة إدارية في إحدى المدارس الخاصة، بينما شقيقها هاني يعيش في الخليج حيث يعمل هناك، أما أختها لمياء، الشهيرة بـ لوزة، فهي في الصف الثالث الثانوي..
رسائل سارة
سارة حاليا ليست مرتبطة عاطفيا، وخلال السنوات الماضية كان لها من التجارب عدد ليس بالقليل، لكن أبرزهم «كريم»، الذي جمعته بها علاقة امتدت لخمس سنوات، منذ السنة الثالثة في الجامعة، ورغم تعاهدهما على الزواج بعد التخرج، إلا أن الحياة لم تمنحهما الفرصة، وكذا كان لطلبات الأهل وتخاذل كريم دور رئيسي في انتهاء العلاقة، بخطوبته من ابنة خاله الذي عينه بشركة بترول، في إحدى الوظائف الإدارية..
ومؤخرا طلبت مني سارة نشر مقتطفات من رسائلها، أو لنقل أحاديثنا التي تملأ «الإنبوكس»، شريطة استخدام أسماء مستعارة سواء اسمها أو أسماء العابرين لحياتها، وقد تحمست للأمر لعدة أسباب، أذكر منها أن حكاية سارة لا تخصها وحدها، فهي حكاية كثير من البنات وربما الشبان، كما أنني متحمس لنشر هذه السلسلة لعلها تكون نافذة تطل من خلالها سارة على العالم بشكل مختلف، فتكون هي الدليل لمن ضل الطريق..
وخلال استعراضنا لرسائل سارة، لن نلتزم بالترتيب الزمني لها، فلندع الأقدار تأخذنا إلى حيث تريد.. ولنبدأ بهذه الرسالة:
«صباح الخير، أنا لست سعيدة، أشعر أنني وحيدة، لا أحد يهتم بي، ولكي أكون أكثر صدقا، أعلم أن أفراد أسرتي يهتمون لأمري، لكني في الوقت ذاته أشعر أنه حب فطري، فمن منا لا يحب أفراد أسرته، لكن ما يعنيني هنا كشابة يفترض أن تعيش أحلى سنوات عمرها أنني وحيدة، ليس لي حبيب.. رجل لا تربطني به صلة قرابة ولا دم.. لكنها المشاعر، الحب الصادق والاهتمام.. ذلك الذي يسعى لأن نكون معا طوال الوقت..
الدنيا ليست عادلة
وربما أكون كاذبة إذا قلت إنه ليس هناك من يهتم بي أو يحاول الاقتراب مني، لكن الأمر ليس هكذا فالحقيقة المرة أن كثيرا من الناس يهتمون بنا، لكنهم ليسوا ذلك الشخص الذي أريده.. اهتمامهم يؤرقني، بينما تجاهله هو يقتلني..
الدنيا ليست عادلة، فهي تقرب منا من لا نريده، وتبعد عنا من نحلم بقربه.. كل ليلة أغفو وأنا اتخيله، ملامح وجهه، هيئته، ابتسامته.. صراحة، تحدثت معه أكثر من مرة، هو شخص لطيف، مجامل، ودود.. لكنه لا يحمل أية مشاعر نحوي.. يرد على رسائلي ولكن على أوقات متباعدة، أعرف أنه يفعل ذلك متعمدا كي يلفت انتباهي إلى أنه ليس لديه مشاعر تجاهي.. وأرى أنه من النبل أن يفعل ذلك، حتى لا أوهم نفسي بغير الحقيقة..
أعرف كل ذلك، لكنني أحلم بمعجزة تجعله يشعر بي ويشعر بكل ما أحمله له من مشاعر..
صدقني يا صديقي العزيز، حاولت كثيرا أن أقطع صلتي به وألا أحادثه، وقررت أكثر من مرة ألا أبادره بالحديث، أو أن أتأخر في الرد عليه حتى يعي أنني غير مهتمة، لكنني بمجرد أن أرى اسمه على شاشة الهاتف حين يقوم بأي تفاعل أو حين يرسل ردا على رسالتي، أسابق الريح كي أرى ما كتب.. أنظر لرسالته وأبتسم، ثم أغمض عيني وأحلم به يقف أمامي مادا يديه كي يحملني إلى عالمه.. كثير من الناس يهتمون بي، لكني أريده هو».