اللقاحات المضادة لـ «هوس التريند»
يجلس أحدهم في بيته هادئا مطمئنا بعد أن بات آمنا في سربه معافى في بدنه، وفجأة تراوده أحلام الشهرة التي يربط بينها وبين حصد المال والدولارات، فما يلبث إلى أن يجيء بهاتفه المحمول ويمتطي موجة البحث عن المشاهدات الطاغية بعددها والرابحة بتأثيرها يفتح كاميرا الهاتف ويبدأ كلامه تارة يصيب وأخرى يهرف بما لا يعلم. هكذا كانت حصيلة أيام من المتابعة لمقاطع الفيديو المنتشرة على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي فيسبوك وموقع الفيديوهات الشهير يوتيوب، وتطبيق تيك توك وكان آخرها الأشد فظاعة والأكثر تخريفا.
لم يعد الحديث في طرح تلك الحالة للدراسة، مرتبط بقوانين للنشر أو تشريعات منظمة للأداء الإعلامي أو مواثيق شرف مهني، لأن الطرح الأكثر واقعية في تلك الحالة مفاده، أننا أمام معطيات جديدة لواقع غريب بات فيه الجمهور أو ما يعرف إعلاميا بمتلقي الرسالة طرفا أصيلا في صناعة محتوى وممارسا لعمل إعلامي من دون دراسة أو خبرة، بل تحول التريند إلى هدف مقدس ونصر مطلوب، خلال حرب حصد المشاهدات والتي بات فيها كل شيء مشروع، ولا مجال في ذلك للحديث عن قيمة أو ضابط من حياء أو رقيب من قانون.
علميا، يؤسفني أنني وجدت بعض مقاطع الفيديو المتداولة عبر القنوات الشخصية التي يبثها البعض على موقع يوتيوب، قائمة على خيالات لا سند لها من واقع ولا تأسيس لها على دليل، المهم بالنسبة لأصحاب تلك القنوات هو السرحان بالمشاهد واللعب على وتر الإثارة في العرض والغرابة في التناول عبر ثلاثية الإثارة المعروفة بترويج محتوى يلعب القائمون عليه على أوتار الدين، والجنس، والسياسة، هذا فضلا عن تلك المقاطع التي تتناول وصفات علاجية وأخرى متعلقة بجميع المجالات.
مواجهة انفلات المحتوى
أما أخلاقيا، فحدث عن تطبيق التيك توك ولا حرج، فلا مشكلة لدى من يبث مقاطعة من تركيب أصوات وبث السخرية أو اللعب على وتري العري والجنس والمشكلات الزوجية، وتداول ألفاظ خادشة للحياء، ناهيك عما يرتبط بذلك التطبيق من جاذبية تقوم على إدراك القائمين عليه لطبيعة متلقي المحتوى الإلكتروني الذي يريد عرضا موجزا سريعا يعتمد على قصر مدة عرض مواد الفيديو التي يتم بثها.
ودينيا، لا يزال مستخدمو المواقع المشار إليها يلجأون إلى ترويج الإثارة أو عرض معلومات في الدين تظهرهم وكأنهم تحولوا إلى علماء أجلاء، بينما هم يروجون لأحاديث نبوية غير صحيحة أو يعرضون حكما على أنها أحاديث، والدين بالنسبة لمروجي ذلك المحتوى ينحصر في الفتاوى الغريبة والعلاقات الزوجية، أو تركيب أصوات لقراء القرآن على حوادث؛ دون وعي أو فهم.
يأتي البعد الأخطر في محتوى مواقع التواصل، وهو ترويج الحياة الشخصية التي وضع لها القانون حرمة وحصن ذوي الحقوق فأبوا هم أنفسهم إلا انتهاك أسرار بيوتهم ونشرها على الملأ، فتحولت بعض مواقع التواصل الاجتماعي إلى مطبخ أحيانا، وغرف نوم في أحيان أخرى.
ليس مطلوبا الآن سوى عمليات تلقيح فكري -إن صح ذلك التعبير– في مواجهة حالات انفلات المحتوى المتداول عبر مواقع التواصل الاجتماعي والتطبيقات الإلكترونية، ولو وصل الأمر في هذا الصدد إلى تدريسه كمادة في مراحل مختلف مراحل التعليم ومخاطبة المؤسسات الدينية ووزارتي الشباب والرياضة والثقافة للمشاركة في هذا الشأن.. والله من وراء القصد.