إعلام الرئيس وإعلام الجماهير
عادة ما أتفكَّر فى تصريحات الرئيس السيسي حول الإعلام الذى يتمناه لمصر، وأتدبر كثيرا فيما يقول، ربما بحكم المهنة، وربما بحكم المتابعة لأخبار الرئاسة، قليلة هى المرات التى أثنى فيها الرئيس على الإعلام، والرئيس ليس بعيدا عن إحساس الجماهير بوضعية الإعلام، غير أن الجماهير تنتقده من منطقة مغايرة تماما لانتقادات الرئيس.
الرئيس يرى أن الإعلام فى الدول النامية مختلف فيما يجب أن يقوم به باعتباره شريكا فى هذه القضية، بينما فى الدول المتقدمة أو التى خطت نحو مناخ ديمقراطى أوسع تراه على نحو مغاير.. الجماهير ترى أن الإعلام المصرى لا يجيد إلا التطبيل، وترى فى الإعلاميين أنهم الوجه الآخر لشر منتشر عبر الفضائيات وعلى صفحات الصحف وفي المواقع الإلكترونية.. والرئيس يرى الإعلام وقد تأخرت سرعته كثيرا عما يجرى في مصر من عمليات بناء ونشوء تجربة تنموية مهمة فى محيطها الذى تتقاذفه أمواج الفوضى ورياح العبث.
الفارق بين رؤية الجماهير ورؤية الرئيس رغم اتساعه إلا أن المنطقة المشتركة بين الرؤيتين أن الجماهير والرئيس يرغبان فى أن يكون لدينا إعلام قوي، وقادر، ومؤثر.
وإذا أراد الرئيس أن يكون لدينا إعلام قوى يرضى طموحه فى دولة عصرية، ويرضى الجماهير، فإن الأمر أبسط من كل التصورات الفلسفية التى يحاول البعض إثارتها واستثارتها بين الحين والآخر.
تحرير المعلومات
تحرير المعلومات هو الفيصل إذ لا يمكن أن نتصور إعلاما دون معلومات متاحة أمام القائم بالاتصال صحفيا أو مذيعا أو إعلاميا إن صحت تلك التسميات التى يمكن أن تندرج كلها تحت اسم "صحفى".. وتحرير المعلومة لا يمكن تحقيقه دون قانون ملزم لحرية تداول المعلومات يساعد القائم بالاتصال على أداء دوره ومواجهة الشائعات وتحقيق الغاية من الإعلام، وهو تقديم معلومة موثقة وصحيحة للناس.
لا يمكن أن تطلب إعلاما قويا دون أدوات تساعده فى أداء دوره، وأهم تلك الأدوات هى المعلومة الموثقة الصادرة من مصادر معتبرة بعيدا عن التجهيل الذى أصبح عالة على الإعلام والجماهير.. مناطق الظلام فى الحياة لا يبددها إلا النور، وحبر القلم هو المعلومة، وإلزامية المصادر بتقديمها وقت طلبها فى إطار من القانون الذى ينظم تلك المسائل.. الأمر الثانى: هو إتاحة الفرصة أمام جنود الإعلام ليصبحوا جزءا من منظومة البناء، وهذا لا يتأتى بالصوت الواحد، ولا بالرؤية الواحدة، ولا بالعزف على أوتار دون غيرها.
الإطار العام الذي يجمعنا هو الصالح العام، والصالح العام تحدده منظومة قيمية هى فى الأصل قديمة ومتوارثة فى إعلامنا بفضل ذلك التاريخ التليد الذى لم تفارقنا إضاءاته حتى اليوم.. قد نختلف فى الطريقة، وفى الوسيلة، غير أن الهدف واحد، يحق لى أن أختار –كصحفى- طريقة التعاطى مع المواقف المختلفة، ويحق لغيرى أن يتعاطى معها بشكل مختلف، لا تخوين ولا تهويل.
بناء الإعلام
وإذا كان الرئيس السيسى قد اختار وفق رؤية وطنية مشروع مصر، فإن من حقنا أن نطالب سيادته ببدء البناء فى الإعلام انطلاقا من حرية تداول المعلومات قبل الحديث عن تحديث المنظومة الإعلامية تقنيا.. التطور قادم رغم أنف الزملاء «المتكلسين» فى مواقعهم، وقد أكون واحدًا منهم، والتطور التقنى هو الأسهل، فلدينا فرق عمل تكنولوجية قادرة على الإيفاء بتلك المتطلبات.. يبقى "السوفت وير" القانونى، أي طريقة التفكير، وإفساح المجال نحو نقاشات وطنية تستهدف مصالح البلاد والعباد.
ومصر تحظى بتجربة رائدة فى محيطها، فقد كانت لدينا صحف ومعارك صحفية قبل أن تكون لدول فى محيطنا فصول مدرسية، ويكفى أن نقول إن أول صحيفة إيرانية صدرت كانت تُطبَع فى مصر.. وربما يقول قائل إن القانون وحده ليس كافيا، وهذا صحيح، ولكنه نقطة تحول لم يستطع مبارك أن يفعلها رغم الحرية التى كانت تتمتع بها الصحافة بكافة أشكالها فى عصره.
وقد يقول قائل إن الخصوصية فى التجربة تحتاج إلى تريث وعدم انفلات، وهو قول صحيح، إلا أن الواقع الذى مرت به مصر فى تجربته مع تيار الإخوان الإرهابى جعل الأجيال العاملة الآن فى الساحة الإعلامية يدركون الفارق بين الحرية والفوضى.
ونظن أن جرأة الرئيس وإطلالاته الدائمة ومطالبته الإعلاميين بأن يكونوا على قدر المسئولية يمنحنا أملًا فى أن نخطو نحو هذا الهدف سريعا لمواكبة ما يجرى فى مصر الآن إيجابا وسلبا.