ست الحسن والحمار
في مملكة جبال الملح البعيدة، كان هناك رجل غني، بل يمكن أن نصف ثراءه بالفاحش، إذا كان قصره عظيما مشيدا من سبائك الذهب والفضة، وأبوابه من الأبنوس وجدرانه مرصعة باللؤلؤ والمرجان، يقف شامخا بين مئات الأفدنة، التي شكلت نصفها حديقة ليس لها مثيل تضم آلاف الأشجار ذات الثمار الشهية الملونة، بينما على النصف الآخر من الأرض حفرت في الأرض خزائن أمواله، التي لم يكن لمخلوق غير صاحبنا هذا أن يقترب منها.
ذلك الرجل الثري كان من محبي الصيد، وفي إحدى رحلاته انطلق بعيدا عن مرافقيه فضل الطريق في الغابة، عندما هجم عليه قطيع من الأسود، وكاد يهلك لولا أن ظهر فجأة حمار.
ذلك الحمار ما إن رأى الأسود، إلا وشعر بالذعر، فراح يبرطع هنا وهناك ويرفس في كل الاتجاهات، فتيقنت الأسود من إنها أمام عدو «غشيم» حتما سيتسبب في هلاكها بسبب اندفاعه، ففرت قاصرة للشر.. وهنا تبدل حال الرجل الغني، والذي كان قبل دقائق يتمنى لو تبقي الأسود منه ولو نسيرة لحم كي يدفنها أحدهم، إذ نجا من الموت بفضل هذا المخلوق «الغشيم».
اصطحب الرجل الحمار معه، وحين عاد إلى رفاقه طلب منهم أن يحملوا الحمار على أكتافهم حتى القصر، وأمر له بحمام ساخن، وطعام فاخر، ولباس من الحرير، وأعلن أن ذلك المخلوق منذ اللحظة هو صديقه المقرب ونديمه الموقر ووريثه الوحيد..
نعم، لقد كتب الرجل الثري، الذي لم يكن له من الأهل أحد، وصية، تقطع بأنه إذا مات فإن كامل ثروته تؤل لذلك الحمار، الذي أنقذ حياته.. عاش الرجل والحمار سنوات وسنوات، إلى أن مات الإنسان وبقي الحيوان، وحين أراد بعض خدم القصر أن يتحايلوا على الوصية، فيأخذوا الحال والمحتال، حكم عليهم بسجنهم، وشكلت هيئة تدير أملاك الحمار، الذي بات رسميا صاحب الجاه والمال والقصر وغيره من الممتلكات.. وكان على رأس تلك الهيئة رجل واسع الحيلة، فكر في أمر ما وبدأ تنفيذه.. فما هو؟
ذهب الرجل رئيس الهيئة المشرفة على التركة إلى بيت شهبندر التجار، وطلب منه يد ابنته «ست الحسن والجمال»، فسر الأب ووافق فورا، غير أنه صدم شر صدمة، حين علم بأن العريس ليس رئيس الهيئة نفسه، بل هو الحمار.. الوريث الشرعي للرجل الثري!
خطة ست الحسن
في البداية، رفض شهبندر التجار وثار وسب وصاح، لكن ابنته ست السحن والجمال، فاجئته بأمر غريب، إذ أنها أعلنت موافقتها على الزواج من الحمار.. تعجب الأب من أمر ابنته، لكنه قالت له: «لا تقلق يا أبي I can fix him».. «أوه شيت»، وهكذا رد هو عليها.. يعلم الرجل أن ابنته رغم حسنها، إلا أنها بطلة العالم في الطمع، وأنها حتما تخطط لأمر ما سينتهي إلى موت الحمار، ثم تصير هي الأرملة الثرية التي ترث كل هذه الثروات.
وهكذا وافقت ست الحسن والجمال على الزواج، لكنها اشترطت أن تذهب وحدها والحمار في رحلة تمتد عام كامل، ليعيشا في منطقة معزولة، ولما سألوها عن السبب رفضت الإفصاح عن نواياها، بينما كانت تخطط لأن تدرب وتعلم هذا الحمار بعضا من العلوم والآداب وأصول الاتيكيت، لتخلصه من صفاته الحيوانية واندفاعه القاتل، أملا في أن يصبح كائن «كيوت» يمكنها التلاعب به والخلاص منه وقت تشاء.
لعام كامل، غابت ست الحسن ومعها زوجها الحمار، ثم حان اليوم الموعود، فاصطف سكان مملكة جبال الملح على جانبي الطريق المؤدي إلى البلاد، وراحوا يلوحون بأغصان الأشجار والزهور تهليلا وترحيبا.
توقفت العربة التي تجرها الأحصنة، ثم ترجل منها الحمار وهو يرتدي ثيابا جميلة ويضع على عينيه نظارات أنيقة، بينما تبعته ست الحسن والجمال، التي لم يصبح لها من إسمها نصيب، بل كانت بشرتها خشنة وقد طالت أذنيها، وما إن سمعت أصوات الطبول المرحبة بهما ترتفع، إلا وراحت تبرطع في المكان وترفس كل من يقف في طريقها، إلى أن نجح الحمار في السيطرة عليها، وراح يهدئها ويربت على رأسها بحوافره المغطاة بقفازات من حرير.
