محضر تصالح مع النفس
رغم الروتين والتكلفة المادية، يبقى التصالح مع الحكومة في مخالفات البناء أيسر وأسهل من التصالح مع النفس.. خاصة النفس الأمارة بالسوء العربية محتاجة بنزين زلزال 92. فالتعامل مع الحكومة في مسألة التصالح واضح وصريح جدا جدا، فكل ما عليك هو تسديد الغرامة، بينما النفس في مسألة التصالح مع الذات، لا تقبل كاش ولا تقسيط ولا بتاخد فيزا، إذ أن راسها وألف جزمة أن تنغص عليك عيشتك، وكأنها زوجة نكدية أبلغت عن زوجها بدعوى أنه يجبرها على شرب الحشيش في ليالي الأنس في فينا.
ولأنه لا كامل إلا الله عز وجل، فكل إنسان منا ناقص، والنقص من تمام النفس البشرية، التي ترفض التصالح كما قلنا، وتصر على تعكير مزاجك بحجة أنها رايدلك الخير يا واد عمي ميل واسقيني يا واد عمي.
مساء أمس، كنت أحادث نفسي محاولا إقناعها، بأن الفقر مش عيب، لكن نفسي دقة قديمة تقول كما خالتي تفيدة «الراجل ما يعيبوش إلا جيبه»، لذلك نزعت كل جيوب قمصاني وبنطلوناتي كي لا يكون هناك مجالا للعيب من أساسه. فأنا بيني وبين الفلوس ما صنع الحداد، أو كما كتب فؤاد حداد «قال والقاتل دايما ناكر/ والسارق تلاقيه مش فاكر/ كله ورق وفلوس وتذاكر/ بيفهمني العالم غول/ وأنا ساكت.. والدنيا شيطان». انتهى الليل، ولم ينته الخلاف بيني وبين نفسي «ومقلتلوش ع اللي في نفسي»، و«صبح الصباح فتاح يا عليم والجيب مفيهش ولا مليم».
تصالح مع النفس
أتذكر في ليلة بكى فيها القمر، حاولت التصالح مع نفسي بخصوص حجم أنفي، ذلك الأنف الكبير الذي كان سببا في أن ترفضني سعدية جارتنا بعلا لها، إذ قالت لأمها «مخدوش ياما مخدوش»، وحين سمعتها ظننت أنها تتحدث عن حيائها المخدوش، لكنها كررت الكلام نفسه في وشي، فغلت الدماء في عروقي، ولكمتها في أنفها الصغير، وهو بالمناسبة ليس شقيق سعد الصغير، والأمر لا يعدو كونه تشابك أسماك وادي النيل وادي البيضة وادي اللي سلقها وادي اللي قال هات حتة هات حتة.. لكن نفسي رفضت الصلح، وأصرت على أن تحرر ضدي محضر عدم تعدي في قسم شرطة النيل نجاشي حليوة أسمر عجب للونه دهـب ومرمر.
ولما علمت بأمر المحضر قلت نحلها ودي ادي ادي اديها كمان حرية، فأخدت شيخ الحارة من يده وذهبنا إلى نفسي، لعله ينجح في رأب الصدع ما بيننا، فقال الرجل «يا بخت من وفق راسين في الحلال»، فقلت له «دي مش جوازة يا عم الحاج دي جنازة»، وهنا غضب الشيخ وصاح «جنازة؟! إذا سيبني أشبع فيها لطم»، وراح يضرب صداغه بالمركوب، ثم مضى في حال سبيل أم عباس.
بعد الغاغة والهيصة والذي منه وعليه، جلست إلى نفسي ورحت أذكرها بكل ما مررنا به سويا من صعاب وعقبات، وحين بكت أخذت أطيب خاطرها بكلمتين حلوين من يومنا والله وقلوبنا كويسة، حتى هدأت وتبسمت، فقلت انتهز الفرصة فأخذت نفسي وذهبت إلى القسم لتحرير محضر تصالح مع النفس.
مر يومان بعد الصلح، لكن ريما رجعت لعادتها القديمة، وراحت نفسي الأمارة بالسوء توزني على الشر، فقلت «مبدهاش» وألقيت بنفسي في النيل، فأغرقتها ثم خرجت «وحدي لكن ونسان وماشي كـده/ ببتعد.. معرفش أو بقترب».