إعلامنا وصحافتنا في حرب أكتوبر!
لا يفوتنا أن نسجل هنا الدور الكبير الذي نهض به إعلامنا وصحافتنا في تحقيق نصر أكتوبر العظيم 1973.. وكيف كان هذا الدور استباقيًا مارس باحترافية أدق فنون التمويه والخداع الإستراتيجي كما رسمتها القيادة السياسية قبيل الحرب لتضليل العدو ومن معه.. ونجح في إنتاج خطابين متوازيين يخاطب أحدهما الجبهة الداخلية أما الآخر فيخاطب العالم الخارجي بلغة مغايرة خلقت أجواء من التكتم والمراوغة والتعتيم انطلت على أعتى أجهزة المخابرات وبينها الموساد الإسرائيلي حتى تكونت لديه ولدى غيره قناعة بأن مصر لا يمكنها الحرب حتى استرخت قوات العدو وانفتح الطريق أمام أبطالنا كي يعبروا ويكتبوا ملحمة قتالية هي معجزة عسكرية بكل المقاييس..
معجزة توقف أمامها الخبراء طويلًا بالفحص والدرس والإعجاب واستخلاص الفوائد.. لقد كان إعلامنا في طليعة جنودنا على الأرض يشد من أزرهم ويسجل بدقة وسرعة فائقة تفاصيل المعارك ومشاهد البطولة والتضحية لحظة بلحظة ليعلم القاصي والداني كيف ضحى الرجال، الذين كان معظمهم من خريجي الجامعات وقد تفوقوا وسطروا بدمائهم الزكية أروع قصص البطولة والفداء.. وكان شعبنا وشرطتنا وجيشنا نموذجًا يحتذى في الشجاعة والصمود والجرأة والتحمل والإخلاص والكفاءة وعبقرية التخطيط ودقة التنفيذ وحب الأوطان.
تماسك الجبهة الداخلية
وكان طبيعيًا في سياق كهذا أن يحقق المصريون معجزة كانت ولا تزال ملء السمع والبصر ومحط الإعجاب والإكبار؛ ذلك أن جبهتنا الداخلية كانت في أحسن حالاتها تماسكًا وقوة ووعيًا ورغبة في النصر، كان الجميع على قلب رجل واحد، لا خائن بينهم ولا متخاذل ولا مرجف ولا مثبط للعزائم، ولا مروج للشائعات والأكاذيب.
لم يكتف إعلامنا ببيانات القيادة العامة للجيش في حرب أكتوبر، بل تقدم المحررون العسكريون صفوف المعارك جنبًا إلى جنب الجنود والضباط ينقلون الحقائق وينشرون قصص البطولة والكفاح والقتال المرير والشهادة والنصر، يبثون الحماسة في نفوس المحاربين ويلهبون مشاعر الجماهير، التي تتلقف ما يكتبون وتتابع بشغف ما يكتبون ويذيعون لحظة بلحظة وتساند رجال الجبهة بلا حدود.. فنال إعلامنا احترام الجميع وسطر بأحرف من نور مصداقيته وصدق رسالته وروعة مهنيته في الذاكرة القومية واستحق كل فخر واعتزاز وإشادة. وهو ما نفتقده للأسف اليوم في صحافتنا وإعلامنا بكل ألوانه.