يوم فى مسجد الشيخ الكردى
فى إحدى أيام شهر رمضان المبارك، عام 1997، وخلال دراستي فى فرع جامعة الأزهر بمنطقة الدراسة، دعاني صديقي عبد الرحمن إلى تناول طعام الإفطار فى أحد المساجد الأثرية العريقة الكائنة فى شارع صلاح سالم بالقاهرة، وهو مسجد وضريح جده الشيخ محمد أمين الكردى. وصلت رفقته إلى المسجد، وجدت ساحة لتلقى العلم تشبه رواق الأزهر الشريف، حلقات مشكلة لتلقى العلوم النافعة، وخلال انتظار موعد الإفطار، كانت لي ساعات من قراءة القرآن وذكر الله فى هذا المكان، الذي تفوح من جنباته عبق التاريخ وروحانيات التفكر والعبادة.
فى صحن مسجد الشيخ الكردى، وحين اقترب موعد الافطار، إصطف على موائد الطعام التى أقيمت فى ساحة تابعة للمسجد، طلاب العلم من أبناء الأزهر الشريف، قدموا إلى هذا المكان من عدة دول من شتى دول العالم، يبتغون العلم الشرعى، يتعرفون عن قرب بمنهج الإسلام الوسطي المعتدل البعيد عن الغلو والتطرف، يتلمسون سماحة الإسلام من نقاء أجواء المكان، ما جعله دافعا لهم للغوص في بحور العلم النافع.
هدم المسجدين
مؤخرا أخبرني صديقي، بأن هناك خطة حكومية لتوسعة طريق صلاح سالم من جهة حديقة الأزهر، وأن مسجدى الكردى والشبراوى العريقين، سيكونان ضمن الأماكن التي سيتم إدخالها فى مخطط التوسعة، ما يستلزم الهدم.
والشيخ محمد أمين الكردى، هو العارف بالله، محمد أمين ابن الشيخ فتح الله زاده الكردي الشافعي النقشبندي، ينتهي نسبه الشريف إلى الإمام الحسن بن علي رضي الله عنهما. ولد الإمام محمد أمين الكردي عام 1265 هجرية-1849 ميلاديا في اربيل بالعراق، وتوفي عام 1332 هجرية- 1914 في مصر. تتلمذ على يد كبار علماء عصره في العراق والحجاز ومصر، كما تتلمذ على يديه ثلة من كبار علماء عصره، ويعتبر من كبار أئمة أهل السنة والجماعة.
تم إنشاء المسجد والضريح على قطعة أرض عن طريق الشراء من مصلحة الأملاك الأميرية في سفح المقطم بصحراء قايتباي، وأقام الشيخ عليها منزلا صغيرا من الحجر ومصلى لراغبي العلم الذين يفدون إليه من رواق الأكراد بالجامع الأزهر، لتلقي العلم بعد صلاة الجمعة من كل اسبوع.
بمرور الوقت وكثرة الزوار وطلاب العلم، أصبح المصلى مسجدا تخرج منه علماء كثر انتشروا فى كافة ربوع العالم، أثروا المحافل العلمية في شتى العلوم والفنون، ومنهم من تقلد المناصب المرموقة في بلاده، وأبرزهم الرئيس مأمون عبد القيوم رئيس جمهورية المالديف الأسبق، والرئيس العراقي السابق فؤاد معصوم، وقامات علمية ودينية وسياسية لا حصر لها.
دراسة البدائل
أطلق اسم الشيخ الكردي على تلك المنطقة وسميت بصحراء الكردي تكريما له بعد وفاته، وتم إقامة ضريح له داخل هذا المسجد، كما تم تجديد المسجد عدة مرات، آخرها كان في عام 1968.
لا شك أن جهود الدولة الحثيثة فى تطوير وتوسعة المحاور المرورية المكدسة، تستوجب الثناء والمعاونة على إتمامها، ولكن ربما كان من الممكن البحث عن سبل بالاستعانة بخبراء النقل والطرق، لتجنب التوسعة المطلوبة وهى ثلاثون مترا من جانب الطريق، بديلا عن هدم هذا المعلم التاريخي، الذي يعد محرابا للعبادة وطلب العلم الوسطى الذى يساند جهود الدولة فى محاربة أفكار التطرف والتشدد والإرهاب.
نناشد السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي رئيس الجمهورية، والدكتور مصطفى مدبولى رئيس مجلس الوزراء، واللواء خالد عبد العال محافظ القاهرة، إصدار التوجيهات إلى الأجهزة المعنية بدراسة البدائل المتاحة هندسيا، لتجنب هدم هذين المسجدين الكردي والشبراوي، لما لهما من قيمة علمية ورمزية روحانية، ونأمل فى الاستجابة.