"نشفت"... حكومة إصلاح شخصانية
لم يكن للحكومة اللبنانية الأخيرة في عهد الرئيس ميشال عون، أن ترى النور، لولا إيعاز إيران لذراعها "حزب الله"، بالموافقة بعدما أمرته طوال 13 شهرًا بمنع تأليفها واستمرار الشغور، وجاء الأمر الإيراني بناء على تفاهم واتفاق بين الرئيسين الفرنسي إيمانويل ماكرون والإيراني إبراهيم رئيسي خلال اتصالهما الأخير، لتحقيق مصالح كل منهما في مناطق نفوذهما.
لم تختلف حكومة رئيس الوزراء نجيب ميقاتي، كثيرا عن غيرها لجهة المحاصصة والتركيبة الطائفية وإن كان الوزراء من الاختصاصيين، كما أن قرارها سيظل رهن إرادة "حزب الله"، وهذا الذي قاله صراحة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي لنظيره الفرنسي ماكرون "سنشكل الحكومة اللبنانية القوية التي نريدها"!.
استفاد "حزب الله" من الدعم الفرنسي، بإدخال المحروقات الإيرانية دون عقوبات عبر سورية مع تعليق قانون "قيصر"، وبهذا أعفيت الدول الثلاث، ولو مؤقتا، من العقوبات، فضلا عن أن "حزب الله" سيطر على القرار الحكومي بتأليفها وفق مشيئته، وعزز مكاسبه بتولي أحد عناصره حقيبة الأشغال العامة والنقل، وسيكون مسؤولا عن المعابر الحدودية والمرافئ البحرية والمطار وما يعنيه ذلك من التحكم في كل ما يدخل ويخرج من لبنان، خصوصا الممنوعات بجميع أنواعها!.
حكومة تمنع الانهيار
يصر الرئيس نجيب ميقاتي، انه لم يمنح رئيس الجمهورية ميشال عون وصهره جبران باسيل "الثلث المعطل"، بينما الواقع أنهما نالا أكثر من ذلك بنظرة على أسماء الوزراء المسيحيين، فضلا عن أن التركيبة الحكومية لا تجعلها مستقلة القرار، ويبرز هنا إشكالية نافرة في تدخل جبران باسيل، لإختيار وزيري الاقتصاد أمين سلام، والخارجية عبدالله بوحبيب، حتى يستفيد من شبكة العلاقات الواسعة التي يتمتعان بها في الولايات المتحدة، لإصلاح وتلميع صورته ورفع إسمه من لائحة ماغنتسكي للعقوبات، لأن جبران باسيل متهم بالفساد والتعاون مع تنظيمات إرهابية في ارتكاب تجاوزات ضد حقوق الإنسان في لبنان، وهذه العقوبات تمنعه من خلافة صهره ميشال عون، في الانتخابات الرئاسية المقررة العام المقبل، والتي يأمل أن يخوضها في مواجهة رئيس "تيار المردة" سليمان فرنجية، واعتبر باسيل أن وضعه على لائحة العقوبات الأميركية نتيجة تحالفه مع "حزب الله".
وبينما رأى كثر أن وجود حكومة أيا كان شكلها أفضل من الفراغ، فعلى الأقل سيكون لدى لبنان سلطة تنفيذية يخاطبها العالم وتتولى خطوات الإصلاح والإنقاذ، وكان هذا رأي مصر وبعض الدول العربية، في حين التزمت السعودية ودول الخليج الصمت نتيجة استئثار "حزب الله" بالقرار لصالح إيران، أما فرنسا فاعتبرت الحكومة غير مثالية لكنها على الأقل تتولى المسؤولية وتمنع الإنهيارالتام، ورأت الولايات المتحدة أنه بقدر ما أراد الرئيس نجيب ميقاتي تأليف حكومة إصلاح وإنقاذ وطني تستفيد من المساعدات الدولية بقدر ما شكّل حكومة لتبييض صفحة باسيل في واشنطن وتمهيد الطريق أمام وصوله إلى رئاسة الجمهورية العام المقبل.. لبنان في مأزق وأوشك على الإنهيار وقادته يعملون بالشخصانية ذاتها التي أوصلت البلد لهذه الحالة.
إنقاذ لبنان
ووجد "لقاء سيدة الجبل" في إجتماعه الدوري، "أن فرض الإحتلال الإيراني على لبنان، مدعومًا من فرنسا، أعاد إنتاج الطبقة السياسية الموالية لمصالحه، فكانت حكومة الرئيس نجيب ميقاتي، التي جاءت نتيجة صفقة وخضعت لموازين القوى، ضاربة عرض الحائط صرخة اللبنانيين في 17 تشرين. لكن ما ينتظره اللبنانيون من هذه الحكومة على صعيد إدارة وحل شؤونهم الحياتية الكارثية كبير، وأصبح بكلفة أكبر، لأن تكريس الهيمنة الإيرانية على القرار الوطني بات شأنا يعيشه اللبناني ويشعر بالذلّ والقهر أمام انبطاح غالبية السياسيين على أبواب محور الممانعة من بيروت إلى دمشق وبغداد حتى اليمن".
تجاهل الرئيس نجيب ميقاتي انتقادات التشكيلة الحكومية، وخاطب الشعب باكيًا، لأن "الوضع صعب لكنّه ليس مستحيلًا إذا تكاتف الجميع وسيتواصل مع الهيئات الدولية لإنقاذ لبنان.. لم نرغب في رفع الدعم لكنها (نشفت على الآخر)، لا أموال لدينا ولا احتياط كي نساعد. نحن في مرحلة (شد الأحزمة)، لا ترفيه ولا ازدهار".
لم ترق الحكومة اللبنانية للطموح ولم ترض غالبية الشعب أو القوى السياسية، ومع هذا استعاد الشارع اللبناني حس الفكاهة والمرح بمجرد إعلان المراسيم وأسماء الوزراء ونشر صورهم، وخلال ساعات تصدرت أسماء وزراء الاقتصاد أمين سلام والطاقة وليد فياض والإعلام جورج قرداحي "ترند تويتر"، لوسامتهم وأناقتهم، وكان القليل يتناول اختصاصهم وثقافتهم الرفيعة، وأجمع النساء خصوصا على تأييد قرارات الوزراء الثلاثة وإن كانت خاطئة وضد الشعب لكي يبقون في مواقعهم أطول فترة ممكنة.