"عدالة علي" تفضح إيفين
أثارت الصورة التذكارية في مؤتمر قمة بغداد لدول الجوار، ضجة لاختراق وزير خارجية إيران حسين أمير عبداللهيان، الصف الأول ووقوفه مع زعماء ورؤساء الدول، في حين أن وزراء الخارجية مكانهم الصف الثاني، قيل الكثير عن ضعف معرفة عبداللهيان بالبروتوكول وأنه خرق البروتوكول لحداثة عهده بالوزارة، وهذا غير صحيح، لأن عبداللهيان دبلوماسي قديم وعمل سفيرا لدى البحرين ونائبا لرئيس بعثة إيران في العراق، ونائبا لوزير الخارجية للشؤون العربية والأفريقية.
تعمد المتشدد عبداللهيان، ترك مكانه المتفق عليه مسبقا، وانتقل للصف الأول في رسالة للجميع "إن المؤتمر أقيم بإيعاز من إيران ولأجلها"، ولمن يتجاهل أن العراق تحت سيطرة إيران أراد عبداللهيان التأكيد "أنتم ضيوفنا والعراق وسيط بيننا وبينكم".
لم يكن هذا فقط ما تعمده وزير خارجية إيران، بل بالغ في حجم التبادل التجاري بين العراق وإيران وقدره بـ 300 مليار دولار سنويًا، وكأنه يقول للحضور "لن نترك لكم شيئًا"، فاضطر رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، لتصحيح المعلومة وقال إن "حجم التبادل التجاري هو 13 مليار دولار". قال عبداللهيان، للتلفزيون الإيراني ردا على الغضب العربي من اختراقه الصف الأول "وقفت في المكان الواقعي للجمهورية الإسلامية وحيث يجب أن يقف ممثلها"، وثمن عبداللهيان كذلك دور بغداد في تقريب وجهات النظر بين دول المنطقة، وان مؤتمر بغداد للتعاون والشراكة "خطوة ايجابية في تعزيز الشراكة والتعاون لتلبية احتياجات التنمية المستدامة".
أزمة في إيران
تصريح عبداللهيان، يؤكد ما أشرت إليه من أن مؤتمر بغداد أقيم "بإيعاز من إيران ولأجلها"، فلا يخفى أن إيران تعاني أزمة اقتصادية طاحنة، والفساد تغلغل في مفاصل الدولة، ونظام الملالي أهدر مئات مليارات الدولارات لدعم مليشياته في دول يسيطر عليها، وتمويل حروبه العبثية من أجل تصدير ثورة الخميني ونشر التشيع وبسط نفوذه، كما يعاني أيضا من انهيار المنظومة الصحية إثر تفشي جائحة "كورونا" وعجز الحكومة عن مواجهتها، رغم ما قاله الولي الفقيه علي خامنئي، عن وجود لقاح إيراني، ورفضه استقدام لقاحات من الخارج، وكانت النتيجة أن الفيروس أودى بحياة أكثر من 362400 شخص في جميع محافظات إيران، لذا أعلن مجموعة محامين ونشطاء مدنيين نيتهم مقاضاة المرشد الأعلى خامنئي وفريق مكافحة "كورونا"، فاعتقلتهم الحكومة جميعا ونُقلوا إلى مكان مجهول.
اعتقال ونقل النشطاء إلى مكان مجهول، يفتح الباب على فضيحة التعذيب في سجن إيفين، التي هزت إيران والعالم الأيام الماضية، بعدما نشر مجموعة هاكرز تدعى "عدالة علي" فيديوهات وصورًا، حصلت عليها عبر اختراق كاميرات سجن إيفين، في العاصمة طهران. وذكرت "عدالة علي"، أنها أرادت كشف ما يحدث في السجن للرأي العام الإيراني والعالمي، وأنها حصلت على فيديوهات أخرى من داخل العنابر، وملفات سجناء سياسيين وبعض الوثائق السرّية ستنشرها لاحقًا.
تكشف المقاطع المصورة العنف المفرط وإذلال السجناء، ويظهر على أحد الفيديوهات المروعة، رسالة تحذيرية تقول: "سجن إيفين وصمة عار على العمامة السوداء واللحية البيضاء، والاحتجاجات مستمرة حتى إطلاق السجناء السياسيين.. سنواصل فضح القمع، الذي يمارسه الرئيس إبراهيم رئيسي والنظام بحق الشعب".
اعتذر رئيس منظمة السجون محمد مهدي حاج، عن أخطاء سجن إيفين، خصوصا أن السجن يديره الحرس الثوري ويخضع لإشراف المرشد الأعلى وهو مخصص لمعارضي النظام وتتم فيه الإعدامات بعد محاكمات سريعة.
فرنسا وإيران
نعود إلى مؤتمر بغداد، وسبب وجود الرئيس الفرنسي ماكرون، وهو ليس من دول الجوار، أولا فرنسا لها الفضل في إيواء المرشد الأعلى الخميني، وهي التي أعادته ليستولى على الحكم بعد الشاه ويؤسس الجمهورية الإسلامية، وعلى ذلك اتفقت إيران مع ماكرون، على حضور مؤتمر دول الجوار، وزيارة بغداد وأربيل والموصل، فيما يشبه الصفقة..
فهو يساعدها لاستئناف العلاقات مع مصر والسعودية بحكم علاقته المتينة معهما، ويضغط لتشكيل حكومة لبنانية يحركها حزب الله لصالح إيران، وأن تعود السعودية لتمويل لبنان، وكذلك تثبيت حكم الأسد الموالي لإيران في سورية، والضغط على الولايات المتحدة في المفاوضات لرفع العقوبات عن إيران، وفي المقابل أعلن ماكرون عن تواجد عسكري فرنسي في العراق بعد انسحاب الولايات المتحدة، كذلك يريد من إيران الضغط على الحوثي لإيقاف الحرب مع السعودية، واستغلال نفوذ إيران في أفريقيا لبسط سيطرته في كثير من الدول.
الصفقة مفيدة للطرفين، خصوصا في ظل الأزمة الاقتصادية الإيرانية، وحاجة إبراهيم رئيسي للتخفيف عن كاهل الشعب بعد أن أثبت آخر إحصاء رسمي عن ارتفاع التضخم وتراجع الرفاهية خلال العقد الماضي، وإن ثلث الإيرانيين يعيشون تحت خط الفقر.