مرتب البدرى!
أى مهتم بتحليل مضمون ما قيل وأذيع وكتب عن حكاية حسام البدرى مع المنتخب المصرى لكرة القدم من التعيين إلى الإقالة سوف يكتشف أن أكثر شىء استفز الناس هو راتبه الكبير، رغم أن راتب من سبقه كان كبيرا أيضا.. وقد يتعجل البعض بتفسير ذلك بأن ما قدمه حسام البدرى مع المنتخب لا يتناسب مع راتبه الكبير.
غير أن من يتأنى فى بحث هذا الأمر سوف يكتشف أن ما أكثر ما استفز الناس الذين تحدثوا عن حكاية البدرى مع المنتخب كان هو الخلل فى نظام الأجور، والذى ارتفع بأجور ورواتب البعض إلى عنان السماء ليحصلوا على دخول خيالية مقابل عمل قليل، وفى ذات الوقت انخفض بأجور كثيرين لدرجة إنها لم تعد قادرة على الوفاء باحتياجاتهم الأساسية والضرورية من طعام وسكن وتعليم وعلاج ومواصلات!
وهذا الخلل فى نظام الأجور فى مصر قديم وليس جديدا.. أذكر فى السبعينيات من القرن الماضى كتبت تحقيقا صحفيا فى شكل دراسة عن هذا الخلل تحت عنوان (سيرك الأجور فى مصر)، نشرته مجلة روزاليوسف، حيث نشاهد فى السيرك من يعلو ومن يهبط.. أى أن هذا الخلل مزمن وقديم، ومع ما طرأ على اقتصادنا من تغيرات زاد ولم يقل، حتى صار لاعب كرة يتقاضى راتبا يفوق كل رواتب مجموعة من الأطباء والمهندسين والصحفيين والمدرسين وأساتذة الجامعة، وأضحى مدربا يتقاضى راتبا شهريا يفوق رواتب نصف كل المحافظين، وبات عضو مجلس إدارة فى إحدى الهيئات والمؤسسات يحصل على راتب شهرى يتجاوز كل مرتبات وزراء الحكومة .
كما أن هذا الخلل فى الأجور ليس قاصرا علينا فقط، أنه موجود أيضا فى بلاد أخرى غيرنا عرفت الرواتب الضخمة الكبيرة لبعض المحظوظين بينما أكثرية العاملين فيها يناضلون لكى تكفيهم رواتبهم الشهرية فى سداد الفواتير المعتادة المستحقة عليهم..
لكن مع ذلك فإن المجتمعات التى تريد الحفاظ على تماسكها تسعى دوما لإصلاح هذا الخلل فى نظم الأجور لديها.. وتسعى لتوفير خدمتى التعليم والعلاج بأسعار مناسبة لتخفيف الأعباء على أصحاب الدخول الناتجة عن العمل.. ولعل حكاية البدرى تنبهنا إلى ذلك.