هل الكفاءة في النكاح ضرورة؟
أحيانا يتزوج الجاهل المتعلمة أو يتزوج الثرى من فقيرة أو الثرية من المعدم وقد اشترط الإسلام الكفاءة في الزواج أي يتماثل الزوجان في الناحية الاجتماعية والمالية، وقد أجابت دار الإفتاء المصرية في الستينيات ــ أحمد هريدى مفتى الديار المصرية ـ بالقول:
هذه المسألة لها شقان، أولا: الشق الفقهي، وثانيا: الشق القانوني المعمول به في قانون الأحوال الشخصية. فمن الناحية الفقهية: فالكفاءة في النكاح تعني المساواة بين الزوج والزوجة في أمور معينة، وقد اختلف الفقهاء في تحديد هذه الأمور، فيرى الحنفية أن المعتبر في الكفاءة، الدين والنسب والحرية والديانة والحرفة والمال.
ويرى الشافعية اعتبارها في النسب والسلامة من العيوب والدين والصلاح والحرفة والحرية، أما الحنابلة فقد وردت عنهم روايتان عن الإمام أحمد؛ إحداهما: كالمذهب الشافعي -ما عدا السلامة من العيوب-، والأخرى اعتبرت الكفاءة في الدين والنسب واختلفت فيما عداها. ويرى المالكية أن الكفاءة هي المماثلة في الدين والسلامة من العيوب.
اختلاف المذاهب
والملاحظ على تحديد الفقهاء لخصال الكفاءة أن اختلاف أئمة المذاهب حول خصال الكفاءة واختلاف أئمة المذهب الواحد حول هذه الخصال دليل على أن ما يعتبر في الكفاءة نسبي مختلف فيه، يعود تقديره إلى العرف، أي يتأثر بالزمان والمكان، ولذلك لم تحدد خصال الكفاءة كما حددت مثلا مصارف الزكاة، وبالتالي كانت مثار خلاف بين الفقهاء، وتحديد بعض ما يعتبر منها كان مصدره ما تعارف عليه الناس، ولذا اختلفت بعض أحكام الكفاءة باختلاف البقاع والأزمان،
التفاخر بالمال
وقال الإمام الكاساني لا يكون الفقير كفئا للغنية، لأن التفاخر بالمال أكثر من التفاخر بغيره عادة، وخصوصا في زماننا هذا ) فقوله "خصوصا في زماننا إشارة إلى أنه قد راعى في هذا الحكم عرف زمانه.
ثم قال: (وأما الحرفة، فقد ذكر الكرخي أن الكفاءة في الحرف والصناعات معتبرة عند أبي يوسف، فلا يكون الحائك كفئا للجوهري والصيرفي، وذكر أن أبا حنيفة بنى الأمر فيها على عادة العرب أن مواليهم يعملون هذه الأعمال لا يقصدون بها الحرف، فلا يعيرون بها، وأجاب أبو يوسف على عادة أهل البلاد أنهم يتخذون ذلك حرفة، فيعيرون بالدنيء من الصنائع، فلا يكون بينهم خلاف في الحقيقة).
تحقيق السعادة
والغرض من اعتبار الكفاءة في الأشياء السابقة تحقيق المساواة في أمور اجتماعية من أجل توفير استقرار الحياة الزوجية، وتحقيق السعادة بين الزوجين؛ بحيث لا تعير المرأة وأولياؤها بالزوج بحسب العرف، وعلى الرغم من ذلك فإن الفقهاء اختلفوا في تأثير هذه الغاية والغرض بحيث تصبح الكفاءة شرطا في النكاح على رأيين:
شروط النكاح
أولهما: أن الكفاءة لا مدخل لها في شروط النكاح، فيصح النكاح ويلزم ولو انعدمت الكفاءة، وهذا رأي سفيان الثوري والحسن البصري وحماد، وابن حزم.
ثانيهما: وهو رأي جمهور الفقهاء وهو أن الكفاءة شرط معتبر في النكاح، وهذا ما عليه المذاهب الأربعة، وإن اختلفوا فيما بينهم هل هو شرط صحة أم لزوم؟ والفرق بين اللزوم والصحة أن كون الكفاءة شرطا للزوم العقد معناه أن المرأة إذا تزوجت غير كفء كان العقد صحيحا، وكان لأوليائها حق الاعتراض عليه وطلب فسخه دفعا لضرر العار عن أنفسهم، إلا أن يسقطوا حقهم في الاعتراض فيلزم، ولو كانت الكفاءة شرطا للصحة لما صح العقد أصلا.
استدل من لا يرى الكفاءة في النكاح بقوله تعالى فى سورة الحجرات (إنما المؤمنون إخوة)، وقوله تعالى في سورة النساء (فانكحوا ما طاب لكم)، وقد أمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم فاطمة بنت قيس رضي الله عنها، وهي قرشية أن تنكح أسامة بن زيد رضي الله عنهما، وهو من الموالي، يقول الإمام ابن حزم في "المحلى" (وأهل الإسلام كلهم إخوة لا يحرم على ابنٍ من زنجية لِغية نكاح ابنة الخليفة الهاشمي، والفاسق الذي بلغ الغاية من الفسق المسلم -ما لم يكن زانيا- كفء للمسلمة الفاضلة، وكذلك الفاضل المسلم كفء للمسلمة الفاسقة ما لم تكن زانية).