قصة خيالية نقصّها عبر خط الزمن (2)
وقبل أن نستكمل القصة الخيالية وحياة «أبو الشرف» في الصغر نطالب كلا من استشعر خطورته أن يكون له سلوك إيجابي تجاه المجتمع، فيُحسن تربية أولاده، ويمنع الظلم والتَنَمّر على الضعفاء، ويحارب الفساد بقوة، وهذا هو هدف هذه القصة الخيالية.. ولا بد أن نوضح أن نشأته هي التي ساهمت في فساده، حتى الجوانب المشرقة صارت وسيلة لفساده، فقد استغل ما لديه من خبرة في قراءة الأشخاص والتعرف على من يجلس بجوار أي مدير ليستمرا معًا بينما تتغير القيادات.
كما أدرك «أبو الشرف» مبكرًا أهمية قوة الجسد والتي يمكن ترويضها بالمال، وهي نصيحة الأب الذي قدمها له حين تضرر من إيذاء زملائه له، فبدأ في الملاحظة الدقيقة لزملائه، ووجد ضالته في هشام، ذلك الفتى رث الثياب طويل القامة، دائم الحركة ولا يجرؤ أحد على مصارعته.
الحماية مقابل السلع
والتقى «أبو الشرف» مع هشام، وأخرج له من حقيبته كيس سكر، وما أدراك ما السكر في ذلك الوقت، لاسيما أن منزل «أبو الشرف» كان يُعد مخزنًا للسلع التموينية، وقبل أن يتكلم، فهم هشام المطلوب بابتسامة هادئة، الحماية مقابل السلع، وهنا أدرك «أبو الشرف» كيف يُمسك مفاتيح القوة في المدرسة.
عاش «أبو الشرف» حياةً هادئة بعد أن إستقرت أموره داخل المدرسة، إلا أنه لم يكن يهتم بأي مادة لا تدخل في المجموع مثل التربية الوطنية والدين، ولكن الأقدار ساقت له في عام ١٩٨١ مشكلة كبيرة، فقد أحيل والده إلى النيابة الإدارية في واقعة سلوكه مسلكًا معيبًا لا يتفق مع الوظيفة العامة.
ويُفهم من ذلك أنه ارتكب مخالفة قد تؤدي إلى إحالته للمحكمة التأديبية، وفصله من الوظيفة، في زمن كان فيه التستر على الفساد فساد، وكانت اليد العليا للشرفاء الحقيقيين، وسمع التفاصيل من وراء باب حجرة نوم والديه، فدخل عليهما وعينيه تدمعان، وذُهل الأب، وقال له: إنت إزاي تقف تتصنت علينا؟.. فأجابه «أبو الشرف» بهدوء: (عندي الحل).
شهود زور
والحل بسيطًا جدًا، الأمر لا يحتاج إلا.. لشهود (زور) لينفوا وجود المخالفات، وطلب من والده تجهيز شيكارة أرز وشيكارة سكر من (الصندرة)، وهي لمن لا يعرفها من الشباب، جزء منخفض أسفل سقف المطبخ، تستخدم كمخزن.. وفي اليوم التالي اتجه «أبو الشرف» إلى هشام وطلب منه مقابلته خلف جزارة فتحي القريبة من المدرسة، ثم كان الاتفاق سهلًا، يتقدم أبو هشام وأحد أصدقائه للشهادة فى صالح والد «أبو الشرف»، والمقابل في الصندرة.
وبالفعل حضر الشاهدان «يس» و«أبو الدهب» ونفذا المطلوب وحصلا على الثمن، وكانت هذه الخطوة من علامات نبوغ «أبو الشرف» في منزله، حتى صارت أمه تمنع أخاه من إيذائه، وأخبرته أن يتدبر أموره بنفسه، ولكن ذلك أشعل غضب أخيه طوال العمر.
الرئيس الشهيد
وكان عام ١٩٨١ جوهريًا في حياة «أبو الشرف» وفي حياة مصر أيضًا، ولكنه لم يهتز لما اهتزت معه مشاعر المصريين باستشهاد الرئيس الشهيد «محمد أنور السادات» ولم يعبأ بالسياسة، ووضع لنفسه سياسة تتماشى مع كل السياسات، فكان يردد السلام الوطني أمام زملائه، ويستهزئ به في داخله، ومجاراة القوة دون إعمال للعقل.
فإذا كان اتجاه الدولة إشتراكيًا فهو من طلائع الاشتراكيين، يقرأ ويردد قصائد أمل دنقل، وإذا اتجهت الدولة للانفتاح سياسيًا واقتصاديًا كان من أوائل المبشرين بالخير الوفير من أثار الانفتاح، وإذا كانت السياسة شد الحزام كشف للناس عن بطنه المشدودة بالأحزمة، وفي الثورة كان يهتف مع الثوار من بيته، وفي حكم الإخوان ظهرت مِسبحته وعلامة الصلاة في رأسه وتواصل معهم عن طريق إبن عمه الإرهابي، ولا تندهش وهو يحدثك اليوم عن إنجازات السيد الرئيس.
ونجحت سياسته على مدار السنوات، فإذا رأت قيادة العمل بناء مبنى، كان ذلك البناء مقدسًا، ثم إذا جاءت قيادة اخرى ترفض ذلك البناء، صار وجوده خطرًا على الدول العربية والإفريقية، وهو ما سنراه مع كل رؤسائه مسقبلًا.
المرحلة الثانوية
وبعد أن وصل «أبو الشرف» إلى المرحلة الثانوية، حين تبلغ فترة المراهقة أشدها، كان إنحناء ظَهره باديًا للجميع، ولكنه لم يكن يشكو أو يهتم، فقد حدد أهدافه في أمرين: السلطة والمال، ولم يكن يشعر بما يشعر به زملاؤه من الميل للجنس الآخر، ولم يُفكر في الهروب من المدرسة أو القفز من على السور، وهو ما جعله في نظر من حوله حسن السمعة ومحمود السيرة، وهو ما كان يخطط له بالفعل.
ثم كانت إحدى نزواته وهي لعب الكوتشينة، فيتخذ لنفسه موقعًا مميزًا فى الفصل بين الحصص ويلعب مع بعض السذج ويحصل على أموالهم بطرق إحتيالية، وذات مرة ان حصل على جنيهين من زملائه فى يوم واحد، وقرر الخاسرون استرداد أموالهم في «المرواح».
وعندما شاهدهم في نهاية اليوم فر هاربًا فتتبعوه، وانهالوا عليه ضربًا مبرحًا، حتى ظهر زميله «بدوي» محاولًا الوصول إلى اتفاق: أن يحصلوا على نقودهم ويتركوا «أبو الشرف» وأثناء النقاش كان «أبو الشرف» قد اختفى، ونال «بدوي» علقةً ساخنةً، فقد اعتبروه شريكًا لـ«أبو الشرف» ولم يصدقوا أنه كان حسن النية.. وللحديث بقية..