من أين تسليح طالبان ؟
يلفت النظر فيما يجرى بمسرح العمليات الأفغاني السرعة والمهارة فى إسقاط الولايات الأفغانية، واحدة بعد الأخرى، حتى باتت العاصمة كابول تحت الحصار الوشيك. ليلة أمس فقط كان إرهابيو طالبان على بعد ١٥٠كيلو مترا من مركز الحكم في العاصمة. صباح اليوم تمكنوا من الاستيلاء على مدينة أقرب.. وبينما يحدث ذلك يدهشك تصريح للبنتاجون بأن كابول لن تسقط وشيكا بل بين ثلاثين وتسعين يوما!
الحقيقة أن التقديرات الأمريكية بشأن المواقف السياسية والعسكرية باتت موضع مراجعة وتشكك، إن لم تكن سخرية، لدي مراكز التفكير والمتابعة، والمعلومات من باب أولى. كان تقدير بايدن أن القوات الأفغانية المصروف عليها ثلاثة مليارات دولار تدريبا وتسليحا قادرة على ردع وهزيمة طالبان. والموقف اليوم على الأرض يكشف كما قال البنتاجون فى دهشة: لم نتوقع غياب الإرادة السياسية والعسكرية لدي القيادة الأفغانية لمقاومة الاجتياح الطالباني !
كان تقدير بايدن أن طالبان ستنخرط في عملية سياسية تفضي إلى انتخابات، وليس الاستيلاء علي السلطة بالقوة، واتفاق الدوحة قام أساسا على هذه النقطة المحورية، فضلاعن التعهد بعدم إيواء الدواعش أو القاعدة او زعزعة استقرار أمريكا والجيران.. وما يجرى حاليا على الأرض دمر التنبؤات والاحتمالات الأمريكية.
طالبان ترفض حتى اقتسام السلطة، عرض قدمه يائسا الرئيس الأفغاني أشرف غنى.. وهم في الحقيقة بغنى عن اقتسام سلطة باتوا قاب قوسين أو أدنى من الاستحواذ عليها بالكامل. بل إنهم اشترطوا تنازل رئيس أفغانستان عن الحكم قبل التوصل لأي حوار وتسوية.. أكثر من ٨٠٪ من الأراضي سقطت طوعا أو كرها، وعلى الفور فتحت طالبان السجون ودمرت المدارس والطرق والكبارى والمستشفيات، ووضعت قوانين نسبتها إلى الشريعة، قيدت فيها حركة وصوت ومظهر المرأة الافغانية، فضلا عن الإعدامات السريعة بالميادين للتخويف والترهيب وإشاعة الرعب وبث دواعي الاستسلام فيما أمامهم من أراض !
طالبان تحكم
وإزاء التدهور السريع، والتباطؤ الأمريكي، لحد التخاذل، باستثناء مفاوضات في الدوحة لوقف النار، ربما يرضخ الرئيس الأفغاني لضغوط التنازل عن السلطة.. وبذلك تسقط أفغانستان. من جديد في قبضة التخلف.. كأن عشرين عاما من الاستثمارات الأمريكية، بالمليارات ضاعت، وكأن ٥٨ ألف عنصر أمنى وعسكرى أفغاني ذهبت دماؤهم عبثا، وكأن مصرع ٢٤٠٠جندي أمريكي، وفوقه ألف من قوات الناتو.. ذهبت جميعها أدراج الرياح!
عادت طالبان بعد عشرين سنة إلى صدارة المشهد وتوشك أن تحكم.. بعد تفاوض مع الأمريكان الذين ذهبوا أساسا إلى أفغانستان للإطاحة بهم! حين تتأمل تصريحا صادرا عن البنتاجون بأن فارق القدرات كبير جدا بين الجيش الأفغاني وقوات طالبان.. فلابد أن تتساءل: إذن كيف ؟
الأسلحة التى يقاتل بها إرهابيو طالبان منصات صواريخ وعربات قتال تكتيكية خفيفة، ورشاشات ومدافع، وكلها لا ترقى لمستوى تسليح الجيش الأفغاني. لكنهم في الهجمات الأولية، إثر إنسحاب القوات الأمريكية التدريجي ثم المتسارع منذ مايو الماضية، استولوا علي حاويات سلاح كاملة، وتوالى الاستيلاء علي أسلحة الجيش الأفغاني، ولاية بعد ولاية، وكثير منها لم يقاوم.. بل منها من دعا الطالبان إلى التقدم واستلام المدينة!
أسلحة طالبان التى تستولي بها حاليا على أفغانستان.. معظمها أمريكية.. إذن!
المتغطي بـ الأمريكان عريان!