كلام فى ملف الخبز
تعد منظومة التموين، التى يديرها بكفاءة واقتدار تام، الدكتور على المصيلحى هذا الوزير المخضرم، من انجح المنظومات التى تمس المواطن بشكل مباشر وتؤثر فى حياته، فضلا عن دورها الهام في تأمين الاحتياطى السلعي للبلاد، وهو ما شدد عليه السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي فى تصريحاته الأخيرة، التى تناول فيها أيضا الحديث عن تعديلات في منظومة دعم الخبز فى مصر. ولكن، هناك فئة من أصحاب المخابز، ولا أقول كلهم، يعتبرون دعم الخبز، كنزا ثمينا، وبابا مفتوحا على مصراعيه، لنهب أقوات المصريين، فيبتكرون كافة الحيل، ليغترفون من المنجم، بلا وازع من ضمير أو خشية لله.
يتسلم بعض أصحاب المخابز عددا من بطاقات دعم المواطنين قد يصل إلى المئات في المخبز الواحد، ومن ثم يقومون بتخزينها فى منازلهم أو فى مكان آمن بعيدا عن سلطة الجهات الرقابية المفاجئة، ويقومون بإعداد كشوف المتعاملين معهم فى هذا، حيث يحدد المخبز مثلا كوتة سعرية لصاحب البطاقة يتقاضاها نقودا، بدلا من الخبز، فمثلا لو كانت البطاقة تضم أربعة أفراد، فيكون إجمالي حصص الخبز المستحقة لها 600 رغيف شهريا، بمعدل 150 رغيفا للفرد.
وحين يذهب صاحب البطاقة إلى المخبز لشراء الخبز مثلا لأربعة افراد، بحصته كاملة 20 رغيفا يوميا، مضروبة في ثلاثة أيام وهى أقصى مدة للاستفادة مقدما من الشراء على مدار الشهر، فيدفع ثلاثة جنيهات، لكى يتسلم من خلالهم كوبونا يضم 60 رغيفا.
سيطرة أصحاب المخابز
فيعرض عليه صاحب المخبز، أن يشترى منه جنيه الخبز، بخمسة جنيهات ونصف، مضروبا فى ثلاثة جنيهات، أي يتقاضى صاحب البطاقة 16.50 جنيه نظير التنازل عن حصته اليومية لمدة ثلاثة أيام، والتى يُجملها صاحب المخبز بمثابة مرتب فى نهاية الشهر لصاحب البطاقة. يدفع صاحب المخبز 16.50 جنيه، ويتقاضى مقابلهم من الوزارة، 36 جنيها (60 رغيفا مضروبا فى 60 قرش)، وهو قيمة المستحق النقدى له بعد خصم الخمسة قروش التى من المفترض ان يكون دفعها المواطن نظير الرغيف.
ومن هذه العملية يصل مكسب صاحب المخبز إلى 19.50 جنيه كل ثلاثة ايام، عن كل بطاقة مكونة من أربعة افراد، إضافة إلى قيمة هذه الأرغفة من الخبز أو دقيقه الذى لم يخبز من الأساس، ويتم بيعه فى السوق السوداء للاستفادة به فى مخابز السياحى الحر، أو بيع هذا الخبز جاهزا إلى المطاعم والمحلات بالسعر السياحى. وفى بعض القرى يتقاضى أصحاب البطاقات، الذين لا يميلون إلى تناول الخبز المدعم، دقيقا من صاحب المخبز بدلا من الخبز، كي يصنعوه منزليا بمعرفتهم.
وفى كل الأحوال، المستفيد الأكبر والوحيد من تلك العملية هو صاحب المخبز، الذى يتقاضى مكسب رغيف لم يخبزه، ووفر أيضا قمحه، والغاز الطبيعى أو أيا كان نوع الوقود المستخدم فى تسويته كالسولار، فضلا عن توفير جهد الأيدي العاملة فى صناعته، وبالتالى توفير أجورها، فضلا عن توفير كهرباء آلات العجن، والتسوية.
ولكن ما الحل؟
يكون في تشديد الرقابة على المخابز، من خلال مراقبة مستهلكات الإنتاج، مثل الغاز الطبيعى إذا قلت عن المعتاد ــوذلك وفق اقتراحات قدمها المهندس حلمى الكومى فى مناشدته الدكتور على المصيلحى بتصحيح هذا الأمر-، ما يؤشر على توفير المخبز إنتاج أجولة من الدقيق، وفى المقابل مراقبة انتاجه اليومي عبر سيستم الوزارة الإلكترونى، بمناظرته باستهلاك الغاز أو السولار، وفى حال ثبوت قيامه بعملية التبادل تلك، يتم تحرير محضر فوري، يحال إلى النيابة العامة، مع إلغاء ترخيص المخبز نهائيا، ومناشدة المشرع توقيع أقصى عقوبة على سارقي المال العام هؤلاء.
مراقبة جودة الرغيف
وفي المقابل لابد من وضع أسعار معقولة للسلع المتاحة فى منظومة نقاط الخبز لدى البدالين التموينيين، منعا لعزوف المواطن عنها ولجوئه الدائم إلى المخابز، فمثلا هناك الكثير من السلع التى تباع بأزيد من أسعارها المتداولة فى الاسواق، فلو وجد المواطن أن ما يتبادله من سلع غذائية لدى البدال، بنفس سعرها في الاسواق، فسيقبل عليها، ويقل التهافت على نقود المخبز التى سيتقاضاها المواطن لشراء تلك السلع.
وربما كان الحل في الاستعاضة عن كل هذا، بتعجيل منظومة الدعم النقدي بدلا من العينى، أى أن يخصص لكل مواطن قيمة مالية مقدرة للسلع التموينية والخبز يتقاضاها نقدا، وله الحرية المطلقة فى شراء ما يريد من أى مكان، وحينها سيتم سد باب النهب هذا إلى الأبد، وسيتعاظم دور وزارة التموين أكثر في التركيز على مراقبة جودة الرغيف الحر، ووضع مواصفات صارمة لانتاجه، مراقبة توافر السلع كافة في الأسواق ومراقبة جودتها وصلاحيتها وأسعارها.