ما هذا الانفصام ؟!
ما تعانيه مجتمعاتنا من انفصام ظاهر بين جوهر الدين وبين السلوك والأفعال ليس أمرًا عارضا أو مستجدًا بل مرض قديم نتج عن قصور شديد في فهم بعضنا لدينه بصرف النظر تصرفات الغير نحونا وهي تصرفات ليست في صالحنا في كل الأحوال.. وهو ما عبر عنه الرئيس السيسي مرارًا وتكرارًا بقوله: “ إن من يؤثر في الدين وصورته لدى الغير بشكل طيب أو غير طيب هم أهله. وإن كل دين قوي بطبيعته لكن الذي يضعف صورته عم أهله وممارساتهم الفعلية”..
بل ذهب الرئيس السيسي إلى أبعد من ذلك حين دعا لعدم التورط في الإساءة للغير مشيرًا إلى أنه كان حريصًا منذ توليه منصبه على ألا يقول لفظًا خادشًا أو مسيئًا لأحد سواء كان عدوًا أو حبيبًا حتى في أحلك اللحظات وأشدها صعوبة، وأن الفهم الصحيح للآية الكريمة "وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا ۚ" لا يقف عند حدود الحفاظ على حياة الإنسان وإنما يتسع معناه ليشمل كل ما يحافظ على سلامته وحياته.. ومن أسف أن من أصحاب الفكر المتشدد والفهم المغلوط من يجعل المسلمين غير آمنين حتى في بلادهم كما قال الرئيس.. ونحن نتعرض للقتل ليس من سنوات قريبة فقط بل من سنوات طويلة بأيدي أناس منا، وننفق على تأميننا مبالغ طائلة نتيجة هذا الفم المغلوط للدين.
وقد دعانا الرئيس السيسي كما عودنا إلى مراجعة أفعالنا وأقوالنا وأن نتذكر جميعًا أننا موقوفون أمام الله ليسألنا ويحاسبنا وتساءل الرئيس السيسي: هل نحن كبشر نقدم في كل ممارساتنا وسلوكياتنا ما يليق بهذا الدين أم أننا لا نزال بعيدين كل البعد عنه وأن علينا أن نجتهد ما وسعنا الجهد لفهمه فهمًا صحيحًا وتطبيقه تطبيقًا أمينًا.. قولا وفعلًا؟!
مكارم الأخلاق
مكارم الأخلاق هي مدارات الأديان كلها وغايتها وليس أدل على ذلك من قول رسولنا الكريم "إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق" فالدين المعاملة، وما انتشر الإسلام إلا بحسن الخلق وحسن المعاملة.. ولولا تلك الأخلاق الحميدة لتحولت مجتمعاتنا إلى غابة ينهش القوي فيها الضعيف إشباعا للحاجات المادية والغرائز بلا ضمير ولا عقل.. وما أحسب تخلفنا عن ركب التطور ومسارات التقدم ورسالات التاريخ إلا بتخلينا عن روح الدين ومكارم الأخلاق وإهمال رسالتنا الحضارية المتميزة التي امتازت عن حضارة الغرب المادية بروح الإنسانية ونبل التكافل والتعايش الآمن العادل وقد تسنى لأمتنا بهذه السمات أن تنقل مجتمعاتنا ومن ورائها البشرية جمعاء من طور البداوة إلى مصاف الحضارة ونور العلم وسمو الخلق حتى حفظت أمة الإسلام بأخلاقها الرفيعة للإنسانية وجودها الحضاري وأخرجتها من ظلام العصور الوسطى وغياهب الجهل وظلمات التخلف إلى نور المعرفة والتمدين اللذين تدين بهما أوروبا اليوم للإسلام وأهله شاء من شاء وأبى من أبى.
أما لماذا وصلنا لما نحن فيه اليوم.. فالكل بدءًا من الأسرة مرورًا بالمدرسة والجامعة والإعلام والجامعات ومراكز الفكر والأبحاث ومؤسسات الثقافة والأزهر والكنيسة مطالبون بالبحث في جذور المشكلة ووضع روشتة لعلاج ناجع يبدأ بترميم الأخلاق واستنقاذها من براثن الانحطاط والتردي بعدها يسهل بناء أي تقدم علمي واقتصادي واجتماعي.
التغيير سنة كونية لا تتحقق إلا بإرادة جادة فالله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم وهو ليس قرارًا فوقيًا تمليه الحكومات على شعوبها بقدر ما هو إرادة مجتمعية تحتاج همة وإصرارًا وسعيًا ترسم بداياته وملامحه طليعة مخلصة تبتغي به وجه الحق لتسير عليه العامة وصولًا لمجتمع الفضيلة والتكافل والإنتاج والوفرة الاقتصادية.. حفظ الله مصر وأهلها وجيشها وشرطتها..لتحيا في عز وسلام.