"أرانب" المواقع الاجتماعية
بعدما قرر "توماس أوستين" في ثلاثينيات القرن التاسع عشر أن ينتقل من إنجلترا للإقامة في أستراليا شعر بالاشتياق إلى وطنه متذكرًا قضائه أوقاتًا سعيدة في ممارسة هواية الصيد لذلك قرر إطلاق أربعة وعشرين أرنبًا بريًا وسط المزارع ليتسنى له التمتع باصطيادها، ولم تكن هذه الأرانب التي أحضرها معه من إنجلترا متواجدة في الطبيعة الأسترالية، ولكن يبدو أن بعض الأرانب تمكنت من النجاة من رصاصات "أوستين" الذي لم يتخيل أبدًا أنهم سيتكاثرون بهذه الدرجة فبعد أقل من سبعين عامًا على إطلاق "توماس أوستين" لأرانبه بغية اصطيادها تمكنت من التكاثر لتصل إلى أكثر من عشرة مليارات أرنب!
أصبحت الزيادة الهائلة في أعداد الأرانب البرية في أستراليا كفيلة بتهديد الحياة الزراعية، والتأثير على النظام البيئي، واستقرار القارة بأكملها قبل أن تنجح أستراليا من التخلص منها بعد عقود طويلة من المعاناة.
أما نحن فإننا لا نعاني من كثرة الأرانب البرية إنما نعاني من سلوكياتهم التي ربطها "أيسوب" في بعض حكاياته بالميل إلى الحديث عديم الفائدة.. ولكي تستدل على الأمر يكفيك أن تتصفح وسائل التواصل الاجتماعي لدقائق لكي يصيبك الاكتئاب حين تتأكد أن "الأرانب البرية" خرجت من عباءة "توماس أوستين" في أستراليا لتختبئ في صفحات المواقع الاجتماعية في مصر حيث تجد هذه "الأرانب" في صورة أشخاص ينشرون الأحاديث عديمة الفائدة المليئة بالسلبيات.. يتحدثون عن الفشل الذي ينتظرهم في المستقبل.. أو رؤيتهم السوداوية لسنواتهم عمرهم القادمة ليتحول كلامهم المحبط إلى حكم وأشعار يرددها البعض باعتبارها حقائق عن الجيل الذي لم يعرف السعادة وأمضى سنوات عمره في الثورات والاضطرابات أو الحديث عن الأحلام التي تنهار أو الأصدقاء الذين يغدرون دائمًا أو الزملاء الذين يسعون لإيذائك.. وكأن الحياة امتلأت بالحزن حتى تكاد ترى في كلماتهم الفاسدة السماء تُمطر دموعًا وترعد صرخات ألم!
التأثير النفسي للمواقع الاجتماعية
المواقع الاجتماعية تؤثر في الحالة المزاجية لمستخدميها فهي قادرة على أن تثير لديهم مشاعر القلق والتوتر والخوف من المستقبل خاصة عندما يتكرر تعرض المرء لأحاديث تُعظم من الفشل وتعتبره أمرًا اعتياديًا.
تناولت العديد من الدراسات التأثير النفسي للمواقع الاجتماعية ومنها ما أوضح أن أعراض الاكتئاب ومنها الحالة المزاجية السيئة، والشعور بعدم قيمة الذات، واليأس، كانت مرتبطة بطبيعة ونوع التفاعل على الإنترنت، وأن وجود مستويات عالية من أعراض الشعور الاكتئاب كان متواجدًا بين هؤلاء الذين كان لديهم تفاعلات أكثر سلبية فيما توصلت دراسات أخرى إلى أن مخاطر التعرض للاكتئاب تتضاعف لدى الأشخاص الأكثر استخداما لمواقع التواصل الاجتماعي.
هذا المقال دعوة لإعادة النظر في تفاعلاتك عبر المواقع الاجتماعية.. إعادة التفكير فيما تقرأه ويثير إعجابك وتتأثر به لذا عليك التوقف التام عن الصداقة الافتراضية أو المتابعة للشخصيات السلبية فلا تهلك طاقتك فيما يقدمونه لأنه سرعان ما يتسلل إلى عقلك مسممًا مشاعرك وفاسدًا لأحلامك.. فلتكن تفاعلاتك على المواقع الاجتماعية مع الطموحين والناجحين والمتفائلين لتكن واحدًا منهم منتظرًا الأفضل وساعيًا دائمًا للنجاح.