مهاويس الشهرة
يحكى أنه في عام 590 من الهجرة، وبينما كان حجاج بيت الله الحرام يطُوفون بالكعبة، ويرون عطشهم من ماء بئر زمزم، كشف أعرابي عن ثيابه وسط زهول من الناس وبالَ في البئرِ، فما كان من الحجاج إلا أن اندفعوا وانهالوا عليه ضربا حتى كاد أن يموت، إلا أن حراس الحرم تدخلوا وخلصوه من أيديهم بصعوبة، واقتادوه إلى أمير مكة. وعندما وصل الأعرابي إلى الأمير صاح فيه غاضبا: قبحك الله، لما فعلت هذا؟ فرد عليه الأعرابي بهدوء شديد قائلا: والله ما أردت بالبئر سوء قط يا أمير، فقط أردت أن يذكرني الناس ولو باللعنات، حتى لو قالوا هذا الذي بال في بئر زمزم.
ورغم تضارب الآراء حول صحة الرواية التي نسبها البعض لابن الجوزي، إلا إنها بالتأكيد تعكس حال كثيرا من التوافه ومهاويس الشهرة، الذين لا قيمة ولا وزن لهم، ويداومون على تصرفات لا تتماشى مع وعقائد وقيم وعادات وتقاليد وأخلاقيات المجتمع في هذا الزمان.
وما يدعو للدهشة، أن تلك الفئة الشاذة من مهاويس الشهرة باتت محل اهتمام غير منطقي من وسائل الإعلام، التي انساقت بجهل للترويج لأفعالهم الشاذة لهثا وراء الترند وأعداد القراءات والمشاهدات، التي حولت هؤلاء التوافه إلى نجوما يحصدون ملايين الجنيهات شهريا، وحولت ما يقدمونه من محتوى خليع وداعر إلى شبه ظواهر تهدد أخلاقيات وقيم المجتمع، ولاسيما بعد أن بدأ قطاع عريض من الشباب والأطفال تقليدهم دون خجل.
فلا أدري أين المهنية في اهتمام الإعلام بتافه يخرج في بث مباشر مع زوجته ليقدم سفها ويتحول في يوم وليلة إلى "اليوتيوبر الشهير" أو ساقطة تخرج لتتعرى أو تقدم إيحاءات مثيرة، وتتحول بما تقدمة من محتوى داعر إلى "نجمة التيك توك الشهيرة" أو تطل علينا بالتفاصيل الدقيقة لحياتها الشخصية وتتحول فجأة إلى"البلوجر الشهيرة" وغيرها من مسميات الجديدة التي باتوا يحصلون عليها على ذات طريقة الأعرابي الذي بال في بئر زمزم.
يقيني أن مهاويس الشهرة الجدد باتوا يشكلون تهديدا حقيقي للأمن والسلم المجتمعي لعموم المصريين، بعد أن أصابوا قطاع عريض من الأسوياء بالتشويش والارتباك النفسي، جعلهم في شكا فعلى من أمر ما تربوا عليه من قيم وأخلاقيات.
الإعلام ومهاويس الشهرة
وعلى الرغم من ضلوع الإعلام فى جريمة الترويج لهؤلاء التوافه وما يقدمونه من محتوى ساقط، إلا انني لا أستطيع أن ألقي بمسئولية تلك الكارثة الأخلاقية عليه منفردا، حيث تقع مسئوليتها الأولى على عاتق أسر مهاويس الشهرة، الذين سمحوا لأبنائهم بالظهور على تلك الصور الساقطة، وبدلا من تحمل مسئولياتهم التربوية، ظهر أغلبهم في تبجح للدفاع عما يقدمة أبنائهم من محتوى داعر تحت ستار الحرية، مثلما فعل كثير من أولياء أمور الفتيات الآتي تم القبض عليهن وتقديمهن للمحاكمة.
للأسف أن الواقع يقول، إن هوس الشهرة وحب الظهور قد قلب كثير من الموازين الأخلاقية خلال السنوات الأخيرة فى الشارع المصرى، لدرجة جعلت من كثير من الظواهر الشاذة شيئا عاديا ومألوفا على أعين الجميع، وباتت تشكل تهديدا حقيقيا لقيم وأخلاقيات المجتمع المحافظ بطبعه، وهو ما يحتم ضرورة تدخلا فوريا وعاجلا من الحكومة لحجب التطبيقات الكارثية مثل "تيك توك" وغيرها من التطبيقات التي أثبتت التحقيقات ضلوع القائمين عليه فى تجنيد عشرات الفتيات للعمل في الدعارة.
خطورة الأمر أصبحت تستوجب أيضا تدخلا فوريا من البرلمان، لسن تشريعات تردع كل من يتجرأ على بث محتوى من شأنه الأضرار بأخلاقيات وقيم المجتمع، وفرض قيود على بث مثل تلك المحتويات الساقطة في وسائل الإعلام، ومن يقدمونه من مهاويس الشهرة.
لست بالطبع من أنصار فرض قيود على الحريات على الأشخاص أو الإعلام، إلا أن ما نراه من نماذج شاذة في مصر الآن تؤكد أن الحرية المطلقة قد تنقلب بالفعل إلى مفسده مطلقة، وعندما يصل الأمر إلى المساس بقيم واخلاقيات المجتمع، فإنه الأمر يحتم فرض ضوابط تردع كل فاسد أو داعر أو ساقط يبتغي الشهرة، على ذات طريقة من بال في بئر زمزم.. وكفى.