سلسلة ما وراء التسريحة (الأخيرة)
قيامة كينج كونج
أمسكت حسنات بالدكتور فرغلي في كف يدها وخمشت أصابعها لكي تفعصه في راحتها، وهي تظن أنها ستقضي على حشرة، وبعدها ستقضي علي أنا أيضا لتتخلص منا تماما.
في هذه الأثناء توقف عقلي عن العمل، فهذه الغبية ستقتله ثم تتفرغ لي لتفعل بي مثلما ستفعل به.
وهكذا وقفت مكتوف الايدي أراقب اللحظات الأخيرة في حياة الدكتور فرغلي، ذلك الرجل الذي حلم بتغيير مصير البشرية، عن طريق تصغير حجم الإنسان كي يواجه مشكلة نفاد الطاقة والغذاء.
أطرقت برأسي ناظرا للأرض كي أتجنب رؤية الدكتور فرغلى وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة، ثم ركعت على الأرض باكيا، وإذ بي أجد نفسي على بعد شعرة من ذلك السائل المنسكب على الأرض.. ذلك السائل الذي سيعيدني مرة أخرى إلى حجمي الطبيعي، وبشكل عفوي فتحت فمي ومددت لساني كضفدعة تلتهم حشرة، وأخذت أرتشف وأرتشف.. وفجأة، سمعت صوتا غريبا، وكأن عظام جسدي تتكسر، ثم بدأت أكبر وأكبر وكأنني اشاهد فيديو لنبات ينمو وقد تم تسريعه آلاف المرات.
وحينها كانت حسنات تنظر نحوي والدهشة تكسو وجهها، ثم أخذت تمتم بكلام لم أفهمه، ثم صرخت وألقت الدكتور فرغلي من يديها، وركضت نحو غرفة النوم، ثم أغلقت الباب على نفسها وهي تصرخ مثل قطة انغلق الباب على ذيلها. عاد جسمي لحجمه الطبيعي، فأسرعت أبحث عن الدكتور فرغلي، فقد ألقت به حسنات، ولم أرى المكان الذي سقط فيه.
سلسلة ما وراء التسريحة (15)
بحثت خلف وحدات المطبخ المصنوعة من الخشب، فلم أجد له أثرا، ورحت أنادي عليه لكنه لم يرد، وحين نظرت خلف أنبوبة البوتاجاز، وجدته ملتصقا بالجدار فاقدا للوعي، فحملته بين يدي، وفتحت حنفيه الحوض، فبللت يدي بالماء ونفضتها نحو الدكتور فرغلي، فاستعاد وعيه، وقد علمت ذلك حين وجدته يتحرك في راحة يدي.
"الآن سوف تنتهي المأساة، ها أنا قد عدت لحجمي الطبيعي، وحالا سوف أجعلك ترتشف من التركيبة المضادة لتعود أنت ايضا لحجمك الطبيعي".. هذا ما قلته للدكتور فرغلي، غير أنه كان يضع يديه الصغيرتين على أذنيه، ثم راح يطن مثل نحلة، وهنا فهمت أن صوتي بالنسبة له سيكون مثل صوت قطار يهدر، بينما صوته بالنسبة لي سيكون مجرد زن كذلك الذي يصدر عن النحل، فهمست بصوت خافت..
- اسمع يا دكتور، أعلم أن صوتي وأنا بحجمي هذا سيسبب لك صداعا، وأنك حين تتحدث لن أفهمك بسبب انكماش حجمك وانكماش كل أعضاء جسدك، لهذا اسمعني فقط ورد علي بإشارة من رأسك.. مفهوم؟
أومأ الدكتور فرغلي برأسه، فعلمت أنه فهم ما قلته، ثم أخذته إلى حيث السائل المنسكب على الأرض، فأخذ رشفة واحدة وبدأ جسده ينمو في كف يدي، لكن بمعدل بطيء للغاية، ثم وضعته على الأرض ليواصل النمو، ثم فاجئتنا حسنات بعودتها إلى المطبخ قادمة من غرفة نومها، وهي تتحسس الأرض وكأنها لص يخشى أن يوقظ اصحاب الدار..
- من أنت وماذا يحدث؟
هذا ما قالته حسنات بصوت مرتجف، فرحت اشرح لها الحكاية من طقطق إلى يالهوي (آخر كلمة نطقتها هي وهي ترى الدكتور فرغلي ينمو أمام عينها).
كان الذهول سيد الموقف، ولولا أنها ترى بعينها نمو جسد الدكتور فرغلي، لما صدقت حسنات حكايتي. وهكذا استعاد الدكتور فرغلي حجمه الطبيعي، بينما الصمت يلف المكان، حتى كسرت أنا ذلك الجمود بقولي «حمدالله على السلامة»، ثم عاتبت الدكتور فرغلي لأنه لم يرتشف سوى رشفة واحدة من التركيبة المضادة، وقلت له إن ذلك سبب نمو جسده ببطء على العكس مما حدث معي، وهنا سألني هو عما فعلت أنا، فأخبرته أنني قد شربت الكثير من التركيبة المضادة..
- أنت مجنون.. هذه كارثة..
- لماذا يا دكتور؟
لم يجد الدكتور فرغلي فرصة للرد علي، إذ أن زوجتي حسنات سارعت بمقاطعته، وأخذت تصيح بصوت يفوق أنكر الأصوات بمراحل.
- اسمع أنت وهو.. لا دخل لي أنا بما حدث لكما، لقد أفسدتما علي حياتي بما حدث، انظرا حولكما.. الشقة باتت خرابة، فالكثير من الاشياء قد تكسرت والفوضى عمت المكان.. عليكما أن تصلحا..
سلسلة ما وراء التسريحة (14)
قبل أن تكمل حسنات كلامها، وجدتها والدكتور فرغلي ينظران إلى بخوف ممزوج بدهشة، بينما سمعت أنا صوت عظام جسدي تتكسر مرة أخرى، فقد عاد للنمو مرة أخرى، حتى أنني حين نظرت ليدي وجدتها تتضخم، بينما الأشياء من حولي تتضائل وتصغير..
حين وصل رأسي ليلامس سقف المطبخ، سمعت صرخات مكتومة لكائنين صغيرين أمامي، وأظن أنهما الدكتور فرغلي وزوجتي حسنات، والذين فرا هاربين، بينما رأسي تخرق السقف وجسدي يواصل النمو.. غاصت قدماي لأسفل، وكأنهما جذور شجرة تتمدد في عمق الأرض، وطالت عنقي تحمل راسي نحو السماء وكأنها أغصان شجرة تعانق السحاب، ثم راح البيت يتهدم من حولي، فانشطر إلى قسمين، ووجدتني فجأة في العراء..
نظرت إلى أسفل فوجدت الشوارع نحيفة والمباني قد باتت مثل علب الكبريت، بينما الناس مجرد كائنات صغيرة تفر بعيدا عني، وبعضهم يصيح بأنها «القيامة».. وهنا أدركت سبب الرعب الذي ملأ وجه الدكتور فرغلي حين أخبرته أنني قد شربت الكثير من سائل التركيبة المضادة لانكماش الحجم، وأدركت أيضا لماذا كان جسدي ينمو بسرعة قياسا إلى نمو جسد الدكتور فرغلي ببطء، فما شربته كان كفيلا بأن يجعلني عملاقا يضارع في حجمه كينج كونج بطل فيلم الخيال العلمي الشهير.
انتابتني موجة من الذهول، فماذا أفعل بحجمي هذا، وما هو مصيري؟
مرة أخرى توقف عقلي عن التفكير، ووجدتني أمشي في طريقي مبتعدا عن ذلك المكان، ولم أكن أدري أنني كلما خطوت خطوة، دمرت مجموعة مبان وأوقفت الطرق ونشرت الرعب بين الناس، الذين كانوا يفرون مني كفرارهم من الموت.. لكن لا مكان لحرف الكاف هنا فبالفعل أصبحت الآن أنشر الموت ولو دون قصد مني.. ليتني ما خضت مغامرتي الغبية.. ليتني ما رحت أبحث عن سلسلة مفاتيحي التي سقطت وراء التسريحة.
أمسكت حسنات بالدكتور فرغلي في كف يدها وخمشت أصابعها لكي تفعصه في راحتها، وهي تظن أنها ستقضي على حشرة، وبعدها ستقضي علي أنا أيضا لتتخلص منا تماما.
في هذه الأثناء توقف عقلي عن العمل، فهذه الغبية ستقتله ثم تتفرغ لي لتفعل بي مثلما ستفعل به.
وهكذا وقفت مكتوف الايدي أراقب اللحظات الأخيرة في حياة الدكتور فرغلي، ذلك الرجل الذي حلم بتغيير مصير البشرية، عن طريق تصغير حجم الإنسان كي يواجه مشكلة نفاد الطاقة والغذاء.
أطرقت برأسي ناظرا للأرض كي أتجنب رؤية الدكتور فرغلى وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة، ثم ركعت على الأرض باكيا، وإذ بي أجد نفسي على بعد شعرة من ذلك السائل المنسكب على الأرض.. ذلك السائل الذي سيعيدني مرة أخرى إلى حجمي الطبيعي، وبشكل عفوي فتحت فمي ومددت لساني كضفدعة تلتهم حشرة، وأخذت أرتشف وأرتشف.. وفجأة، سمعت صوتا غريبا، وكأن عظام جسدي تتكسر، ثم بدأت أكبر وأكبر وكأنني اشاهد فيديو لنبات ينمو وقد تم تسريعه آلاف المرات.
وحينها كانت حسنات تنظر نحوي والدهشة تكسو وجهها، ثم أخذت تمتم بكلام لم أفهمه، ثم صرخت وألقت الدكتور فرغلي من يديها، وركضت نحو غرفة النوم، ثم أغلقت الباب على نفسها وهي تصرخ مثل قطة انغلق الباب على ذيلها. عاد جسمي لحجمه الطبيعي، فأسرعت أبحث عن الدكتور فرغلي، فقد ألقت به حسنات، ولم أرى المكان الذي سقط فيه.
سلسلة ما وراء التسريحة (15)
بحثت خلف وحدات المطبخ المصنوعة من الخشب، فلم أجد له أثرا، ورحت أنادي عليه لكنه لم يرد، وحين نظرت خلف أنبوبة البوتاجاز، وجدته ملتصقا بالجدار فاقدا للوعي، فحملته بين يدي، وفتحت حنفيه الحوض، فبللت يدي بالماء ونفضتها نحو الدكتور فرغلي، فاستعاد وعيه، وقد علمت ذلك حين وجدته يتحرك في راحة يدي.
"الآن سوف تنتهي المأساة، ها أنا قد عدت لحجمي الطبيعي، وحالا سوف أجعلك ترتشف من التركيبة المضادة لتعود أنت ايضا لحجمك الطبيعي".. هذا ما قلته للدكتور فرغلي، غير أنه كان يضع يديه الصغيرتين على أذنيه، ثم راح يطن مثل نحلة، وهنا فهمت أن صوتي بالنسبة له سيكون مثل صوت قطار يهدر، بينما صوته بالنسبة لي سيكون مجرد زن كذلك الذي يصدر عن النحل، فهمست بصوت خافت..
- اسمع يا دكتور، أعلم أن صوتي وأنا بحجمي هذا سيسبب لك صداعا، وأنك حين تتحدث لن أفهمك بسبب انكماش حجمك وانكماش كل أعضاء جسدك، لهذا اسمعني فقط ورد علي بإشارة من رأسك.. مفهوم؟
أومأ الدكتور فرغلي برأسه، فعلمت أنه فهم ما قلته، ثم أخذته إلى حيث السائل المنسكب على الأرض، فأخذ رشفة واحدة وبدأ جسده ينمو في كف يدي، لكن بمعدل بطيء للغاية، ثم وضعته على الأرض ليواصل النمو، ثم فاجئتنا حسنات بعودتها إلى المطبخ قادمة من غرفة نومها، وهي تتحسس الأرض وكأنها لص يخشى أن يوقظ اصحاب الدار..
- من أنت وماذا يحدث؟
هذا ما قالته حسنات بصوت مرتجف، فرحت اشرح لها الحكاية من طقطق إلى يالهوي (آخر كلمة نطقتها هي وهي ترى الدكتور فرغلي ينمو أمام عينها).
كان الذهول سيد الموقف، ولولا أنها ترى بعينها نمو جسد الدكتور فرغلي، لما صدقت حسنات حكايتي. وهكذا استعاد الدكتور فرغلي حجمه الطبيعي، بينما الصمت يلف المكان، حتى كسرت أنا ذلك الجمود بقولي «حمدالله على السلامة»، ثم عاتبت الدكتور فرغلي لأنه لم يرتشف سوى رشفة واحدة من التركيبة المضادة، وقلت له إن ذلك سبب نمو جسده ببطء على العكس مما حدث معي، وهنا سألني هو عما فعلت أنا، فأخبرته أنني قد شربت الكثير من التركيبة المضادة..
- أنت مجنون.. هذه كارثة..
- لماذا يا دكتور؟
لم يجد الدكتور فرغلي فرصة للرد علي، إذ أن زوجتي حسنات سارعت بمقاطعته، وأخذت تصيح بصوت يفوق أنكر الأصوات بمراحل.
- اسمع أنت وهو.. لا دخل لي أنا بما حدث لكما، لقد أفسدتما علي حياتي بما حدث، انظرا حولكما.. الشقة باتت خرابة، فالكثير من الاشياء قد تكسرت والفوضى عمت المكان.. عليكما أن تصلحا..
سلسلة ما وراء التسريحة (14)
قبل أن تكمل حسنات كلامها، وجدتها والدكتور فرغلي ينظران إلى بخوف ممزوج بدهشة، بينما سمعت أنا صوت عظام جسدي تتكسر مرة أخرى، فقد عاد للنمو مرة أخرى، حتى أنني حين نظرت ليدي وجدتها تتضخم، بينما الأشياء من حولي تتضائل وتصغير..
حين وصل رأسي ليلامس سقف المطبخ، سمعت صرخات مكتومة لكائنين صغيرين أمامي، وأظن أنهما الدكتور فرغلي وزوجتي حسنات، والذين فرا هاربين، بينما رأسي تخرق السقف وجسدي يواصل النمو.. غاصت قدماي لأسفل، وكأنهما جذور شجرة تتمدد في عمق الأرض، وطالت عنقي تحمل راسي نحو السماء وكأنها أغصان شجرة تعانق السحاب، ثم راح البيت يتهدم من حولي، فانشطر إلى قسمين، ووجدتني فجأة في العراء..
نظرت إلى أسفل فوجدت الشوارع نحيفة والمباني قد باتت مثل علب الكبريت، بينما الناس مجرد كائنات صغيرة تفر بعيدا عني، وبعضهم يصيح بأنها «القيامة».. وهنا أدركت سبب الرعب الذي ملأ وجه الدكتور فرغلي حين أخبرته أنني قد شربت الكثير من سائل التركيبة المضادة لانكماش الحجم، وأدركت أيضا لماذا كان جسدي ينمو بسرعة قياسا إلى نمو جسد الدكتور فرغلي ببطء، فما شربته كان كفيلا بأن يجعلني عملاقا يضارع في حجمه كينج كونج بطل فيلم الخيال العلمي الشهير.
انتابتني موجة من الذهول، فماذا أفعل بحجمي هذا، وما هو مصيري؟
مرة أخرى توقف عقلي عن التفكير، ووجدتني أمشي في طريقي مبتعدا عن ذلك المكان، ولم أكن أدري أنني كلما خطوت خطوة، دمرت مجموعة مبان وأوقفت الطرق ونشرت الرعب بين الناس، الذين كانوا يفرون مني كفرارهم من الموت.. لكن لا مكان لحرف الكاف هنا فبالفعل أصبحت الآن أنشر الموت ولو دون قصد مني.. ليتني ما خضت مغامرتي الغبية.. ليتني ما رحت أبحث عن سلسلة مفاتيحي التي سقطت وراء التسريحة.