رئيس التحرير
عصام كامل

عندما أمر السفير وبكي الملك ووافق النحاس!

قد يعتقد البعض أن السطور التالية والتي حدثت مثل أمس عام 1942 ليست إلا خيالا في خيال.. لكنها للأسف واقع مر عاشته البلاد في أحلك أيام تاريخها!
لأسباب تتعلق بدعم بريطانيا في الحرب العالمية الثانية رأي الاحتلال الإنجليزي أن الموقف يحتاج رئيس حكومة يستطيع إقناع الشعب المصري بذلك.. كان حزب الوفد منذ ثورة 19 رمزا للمطالبة بالاستقلال وظلت العائلات الوطنية التي انضمت له رصيده الهائل الذي يجلب له الأغلبية في أغلب الانتخابات البرلمانية التي كانت تجري ومصر نفسها تحت الاحتلال!


وبغير تفاصيل لن تغير من أمر الواقعة شيئا أبلغ السفير البريطاني الملك بضرورة استدعاء مصطفي النحاس واختياره رئيسا للحكومة.. رفض الملك.. وقام أحمد حسنين رئيس الديوان بإبلاغ السفير البريطاني بالقرار!

نقابة لـ"المؤرخين"!

لم يصدق السفير البريطاني ما سمع.. كان الملك لا يدرك التفكير البريطاني.. وأن المسألة هذه المرة ليست ضمن لعبة الكراسي الموسيقية.. وأن هذه المرة الموضوع كبير.. كان الجنون قد أصاب السفير.. واتصل بأحمد حسنين.. وأبلغه أنه سيأتي بنفسه إلي القصر!

لم يذهب السفير منفردا.. ذهب بالقوات البريطانية.. التي حاصرت قصر عابدين في عار سيظل الدهر كله.. ودخل السفير القصر بغير استئذان.. ودخل إلي غرفة الملك وبلهجة وقحة قال: "هذه أو تلك.. في هذه الورقة قرار تعيين مصطفى النحاس.. وفي تلك قرار استقالتك"

تحول الملك -أو الولد كما كان الإنجليز يسمونه- إلي فأر مذعور.. غادر إلي غرفة ملحقة يحبس دموعه في مقلتيه.. ولم ينتبه إلا وحسنين خلفه ينصحه بالرضوخ للقرار.. قرار السفارة والسفير والاحتلال.. وقد رضخ !

مصر بين غرام الخديوي ووزير قطاع الأعمال!

عند المراسم حدثت المشادة بين أحمد ماهر والنحاس، قال ماهر"أما وقد قبلها فإني أعلن في حضرة مليك البلاد أن النحاس باشا يتولى الحكم الليلة مستندا إلى أسنة رماح الإنجليز" ! إلا أن النحاس يرد: "لست أنا الذي يستند إلى أسنة الرماح" ! ويرد أحمد ماهر علي الرد.. ويقول أنصار مصطفى النحاس إلي اليوم أن النحاس طلب من الإنجليز سحب الإنذار قبل أن يقسم اليمين.. فسحبوه !! دون الاعتراف بأن الإنذارات ترفض ولا تسحب.. وترفض بأسبابها ونتائجها والتي كانت في الحالتين تعيين النحاس!!

التاريخ لا ينسي.. والأحداث فيه غير الرأي والسفسطة وأحيانا الفزلكة.. الأحداث وقعت بالفعل.. والآراء تحاول تبريرها.. فليقولوا ما يشاءون.. نقف في كل الأحوال أمام ملك أهانه وأهان تاريخنا معه سفير الاحتلال.. وأمام سياسي مصري وافق أن يتولي رئاسة الحكومة بهذه الطريقة المذلة المهينة!  وهو ما لن تسمعه عن اي مزوري التاريخ من عبيد عصر الاحتلال.. لكن يكفي أن تكتب علي "جوجل" (حادث 4 فبراير 1942) أو حتي أكتب (حادث 4 فبراير) فقط.. ستري الفضيحة سطورا مروية بحبر المهانة والإذلال الذي أنهاه أبناء الجيش العظيم بعد الحادث بعشر سنوات كاملة دفعت كاملا بكل أسي من عمر شعبنا!
الجريدة الرسمية