عاطف فاروق يكتب: قصة جريمة أخلاقية بطلها مدير مدرسة بدرجة "ذئب بشري"
أمر عظيم أن يأتي الجُرم ممن وضعت بين يديه مصائر أبنائنا وبناتنا من الطلاب، فيقترف في حق إحداهن جرمًا يعاقب عليه القانون الجنائي فاحتد به الجرم ليهوي في درك سحيق من سوء الأخلاق مستغلا منصبه كمدير للمدرسة بمحاولة الإيقاع بالتلميذة في براثن الشيطان متوعداً لها بالتفوق الدراسي حال طاعته في نزواته ضاربًا عرض الحائط بكل المبادئ والقيم التي توجب عليه التعفف والبعد عن مواطن الزلل رغم أن مهنته أخلاقية وعلمية قديمة قدم الإنسان، أكسبتها الحقب الطويلة تقاليدًا واعرافًا تحتم على من يمارسها احترام الإنسانية.
وقالت المحكمة التأديبية العليا بالإسكندرية في الدعوى رقم 33 لسنة 46 قضائية، إن النيابة الإدارية اتهمت مدير إحدى المدارس الابتدائية "م خ ع" بادارة حوش عيسى التعليمية بالتحرش بإحدى تلميذات الصف الخامس الابتدائي بتحسس أجزاء من جسدها وتقبيلها من فمها بمكتبه وعلى سلم المدرسة، وقام بدخول فصل القراءة بالمدرسة رغم عدم اختصاصه بهدف التحرش بالتلميذة، وقام بمساومتها بإيهامها بجعلها الاولى على الفصل بمنحها أعلى الدرجات مقابل عدم الإفصاح عن تحرشه بها.
حكاية إهدار الملايين في عملية إنشاء مجمع حلايب الأزهري
وبسؤال والدة التلميذة قررت أنه عقب عودة ابنتها من المدرسة اخبرتها بعدم رغبتها في الذهاب الي المدرسة مرة أخرى لأن مدير المدرسة كان يعطي لها حصة القراءة وطلب منها الذهاب معه إلى مكتبه لإحضار بسكويت لتوزيعه على الطلبة وعندما ذهبت معه قام بوضع يده عليها وعند الدخول إلى مكتبه قام بتقبيلها في فمها وتحسس أجزاء من جسدها وأخبرها بأن لا تخبر أحدا بما حدث وأنه سيقوم بجعلها الأولى على المدرسة.
وأضافت الشاكية أنها ذهبت إلى المدرسة في اليوم التالي وأخبرت المدرسين بما حدث وعندما علم المشكو في حقه بذلك قام بالدخول إلى مكتبه.
وبسؤال التلميذة رددت ما جاء بأقوال والدتها قالت إن المتهم تحرش بها وتحسس أجزاء من جسدها وطلب منها ألا تخبر أحداً وبعد أن قام بأعطائها البسكويت لتوزيعه طلب منها أن تحضر إليه قبل الخروج من المدرسة إلا أنها انصرفت دون الرجوع إليه.
وبسؤال وجيه محمد مسعود أبو زيد، مسئول التعليم الابتدائي بإدارة حوش عيسى التعليمية قرر أنه أخُبر بمعرفة مدير الإدارة التعليمية بضرورة التوجه إلى المدرسة لوجود مشكلة هناك وحال وصوله أبُلغ من حامد حميد المعلم بالمدرسة بأن مدير المدرسة تحرش بإحدى التلميذات بالصف الخامس وأن والدة التلميذة كانت موجودة بالمدرسة، وعند سؤاله التلميذة أخبرته بأن مدير المدرسة قام بأخذها من الفصل وأثناء نزوله على السلم وضع يده على كتفها وتحسس صدرها ثم دخل إلى مكتبه وغلق الباب وقام بتقبيلها من فمها وقام بحضنها.
واستطرد قائلا بأنه لم يستطيع مقابلة مدير المدرسة لأنه كان بمكتبه مغلقاً الباب عليه خوفاً من أهل التلميذة.
«الثروة السمكية» هيئة تسبح في بحر «الفساد المالي»
وشددت المحكمة على أن هناك أفعالا شهد الشهود بوقوعها وتطابقت شهادتهم بشأنها مع أقوال التلميذة ووالدتها، ولم ينكر المتهم قيامه بهذه الأفعال التى تضافرت فيما بينها لتشكل مجموعة من الأدلة من شأنها أن تؤكد ارتكابه مخالفة مسلكية تتنافى مع ما يتعين أن يتحلى به رجل التربية والتعليم من سلوك قويم، فقد تعمد المتهم دخول فصل التلميذة متعللا بتدريس اللغة العربية للتلاميذ على غير المألوف وعلى الرغم من أنه غير مؤهل لذلك وأنه ليس من ضمن مهامه الوظيفية التدريس للتلاميذ، فضلا عن وجود مدرس اللغة العربية بالفصل، ثم انتقى التلميذة المجني عليها ليطلب منها الذهاب معه إلى مكتبه لإحضار البسكويت لبقية التلاميذ، وكان فى إمكانه، لو حسنت لديه النوايا، أن يختار أكثر من تلميذ من البنين والبنات للقيام بذلك، وأثناء نزول السلم المؤدى لمكتبه وضع يده على كتف التلميذة، وبعد ذلك أدخلها مكتبه واختلى بها، الأمر الذى يدل على أن المتهم كان قد عقد العزم وبيت النية على ارتكاب الفعل المؤثم، وجعل من التدريس لتلاميذ هذا الفصل وتوزيع البسكويت عليهم حجة وذريعة لاستدراج التلميذة المذكورة وحدها لمكتبه والانفراد بها، على نحو يخالف الأساليب التربوية والعادات والتقاليد المستقرة.
وأقر المتهم أنه وضع يده على كتف التلميذة وأنه اختلى بها فى مكتبه، مما روع الصغيرة وَوَلِد لديها شعورا بالرهبة والخوف وعدم الأمان عبرت عنه بإبداء الرغبة فى عدم الذهاب إلى المدرسة مرة أخرى، الأمر الذى يتنافى والأصول التربوية وأهداف العملية التعليمية وعادات وتقاليد المجتمع التى ترفض لمس أجسام التلاميذ دون مبرر أو الاختلاء بهم. وبذلك فإن المتهم يكون قد خرج على مقتضى الواجب الوظيفى، ولم يراع الأمانة والاستقامة فى أداء أعمال وظيفته، وسلك مسلكا معيبا يتنافى والسلوك القويم الذى يجب أن يتصف به رجل التربية والتعليم، ووضع نفسه موضع الريب والشبهات مما أفقده ثقة واحترام التلاميذ وأولياء الأمور وزملائه فى العمل، على النحو الذى جعله غير صالح للاستمرار فى وظيفته.
وقالت المحكمة إنه وقر في وجدانها واستقر فى عقيدتها صدقاً وعدلاً أن ما نسب إلي المتهم ثابتاً قبله ثبوتاً يقينياً، فنطقت شهادة الشهود وأقوال التلميذة بالجرم المرتكب منه، فالمتهم رغم انتمائه إلى ساحة التعليم المقدسة التي تعد الملجأ الوحيد لدي أفراد الشعب طلباً للعلم واستشراقاً بالمعرفة وتعليم الأخلاق الحميدة والأسس القويمة لأولادهم، إلا أنه حاد عن جادة الصواب وزين له الشيطان سوء عمله بما ارتكبه فى حق تلميذته - فتردي في طاعته- ضارباً عرض الحائط بكل المبادئ والقيم التي توجب عليه التعفف والبعد عن مواطن الزلل، فمهنته مهنة إنسانية وأخلاقية وعلمية قديمة قدم الإنسان، أكسبتها الحقب الطويلة تقاليداً وأعرافا ونظم تحتم على من يمارسها احترام الإنسانية في جميع الظروف والأحوال، وأن يكون قدوةً حسنةً في سلوكه ومعاملاته مستقيماً في عمله، محافظًا على طلابه، رحيماً بهم، وباذلاً جهده في تعليمهم وتثقيفهم بالمعرفة، وقد تم تكليف المتهم بالتصدي لهذه المهنة المقدسة والالتزام بمقتضياتها مما يحتم عليه ألا يأخذه التهاون في حقوق طلابه وطالباته، إيماناً بحق هؤلاء عليه حقاً أوجبه الدستور والقانون، إلا أنه تنكب وجه الأخلاق الحميدة ، فحق عليه القول بمخالفة أدنى مقتضيات الواجب الوظيفي وعدم الاكتراث الجلي لقدسية رسالته التعليمية وما يتعلق بها من أخلاق تربوية.
وإن المحكمة تراه أمراً عظيما أن يأتي الجُرم ممن وضعت بين يديه مصائر أبنائنا وبناتنا من الطلاب، فيقترف في حق إحداهن جرماً يعاقب عليه القانون الجنائي بأشد العقوبات ويجازي عليه تاديبياً بأقسى الجزاءات، فأهدر حقها وخالف الفطرة التي جبل عليها الإنسان فاحتد به الجرم ليهوى في درك سحيق من سوء الأخلاق وعدم الاكتراث للواجب، فلم يندم أو يخشع، بل أنكر بكل صلافة فعلته الشنعاء، مستغلا منصبه كمدير للمدرسة بمحاولة الإيقاع بالتلميذة في براثن الشيطان متوعداً لها بالتفوق الدراسي حال طاعته في نزواته وطمس فعلته، غير مبالٍ بما أنعم الله عليه من منصب ورسالة فلم يقدرهما.
حكاية "السيارات الحكومية" مع المستشارين بـ"التنمية الصناعية"
واطمأنت هيئة المحكمة اطمئناناً يرقى لليقين بثبوت ارتكاب المتهم للمخالفة المنسوبة إليه ليجرد نفسه بنفسه من أدنى مقومات صلاحية الاطلاع برسالة التعليم السامية، فأفقد مرؤوسيه بفعلته قدوةُ كان لِزاماً عليه حِفظ مقتضياتها، وساهم بفعلته في زعزعة ثقة من يلجأون إلى مرفق التعليم بوجه عام، وفي قدرتهم على استئداء حقوقهم المشروعة ببلادهم وأخصها الحق في التعليم ، فصار واجباً على المحكمة إن أرادت عدلًا، وأبداً ما غاب العدل عن ناظريها، أن تجتث المتهم من منصبه وترفع يده عن رسالة التعليم، عسى أن يكون في حكمها خير قصاص لمرفق التعليم ومهنة المعلم السامية، وللتلميذة التي طالها الجرم، حيث لاقت إيلام جسدي ونفسي من المتهم أودي بها إلى العزوف عن الذهاب الي المدرسة وهو أمر له تأثير بالغ على مستقبلها التعليمي، فقد يثمر غل يده عن تلك الوظيفة والرسالة ثماراً صالحة فيوسَد أمرهما من بعده لمن يُقَدر شرفهما، ولهذه الأسباب قضت المحكمة بمجازاة المتهم بعقوبة الإحالة إلى المعاش.
صدر الحكم برئاسة المستشار حاتم محمد داوود، نائب رئيس مجلس الدولة ورئيس المحكمة وعضوية المستشارين أدهم لطفي عوض ومحمد أبو العيون مهران، نائبي رئيس مجلس الدولة.