دروس من "أمير الصحافة" (4)
يستطرد "أمير
الصحافة" في رواية حكاياته مع "فاروق"، ويقول: "في شهر فبراير عام
1937، رأى مجلس الوصاية أن يسافر الشاب "النصف أمي" إلى أوروبا لكي يطوف
ببعض أقطارها، ويلم بعادات وتقاليد شعوبها؛ لعله يعوض بذلك ما فاته من الدراسة. وكانت نازلي أم فاروق
تريد هي أيضا السفر إلى بلدة فيشي في فرنسا لأنها كانت تشكو من وجود حصوة كبيرة في
إحدى كليتيها.
وفي مساء يوم 20 فبراير من نفس العام دخل مكتبي بجريدة "المصري" محمود أبو الفتح، التي كنا نحن الاثنين ومعنا كريم ثابت، نملكها ونصدرها. ودخل يقول إن جلالة الملك سوف يسافر في يوم 27، وإنه لابد أن يسافر أحدنا معه لكي يوافي جريدة "المصري" بأخبار الرحلة الملكية.. وخصوصا أن جريدة "الأهرام" سوف توفد مندوبا عنها هو مسيو فوشيه وهو فرنسي الجنسية.
ثم قال أبو الفتح: إن كريم ثابت مريض، ولا يمكنه السهر في الجريدة، ولهذا فإن محمود أبو الفتح مضطر لأن يبقى في القاهرة للإشراف على تحرير الجريدة وصدورها، ولم يبق إذن إلا أن تسافر أنت.. ورفضت في بادئ الأمر أن أسافر، ورغم أنه ألح في الطلب، لكنني صممت على عدم السفر. وأخيرا.. تركني وذهب وتحدث بالتليفون مع أحمد حسنين لكي يقنعني بالسفر.. وكان أبو الفتح يعرف أننا صديقان.
دروس من "أمير الصحافة" (3)
وفعلا تحدث معي حسنين بالتليفون، وذكرني بوعدي له في القطار.. وقال: "وأنت .... خير من يقوم بالدعاية لمولانا، وسوف أعطيك جميع الأخبار التي يمكنك أن تبعث بها إلى "المصري".
وهكذا، وبعد ظهر يوم 27 فبراير، سافرت بالقطار إلى بورسعيد، وذهبت إلى الميناء حيث كانت ترسو الباخرة "تايش روي أوف إنديا"، وكنت حجزت لنفسي مقصورة صغيرة جدا؛ لأن الباخرة كانت مزدحمة بالركاب القادمين من نيوزيلاندا، وأستراليا، والهند وسيلان.. إلى آخره.
أبحرت بنا الباخرة في مساء اليوم.
وكان فاروق يصطحب معه أمه نازلي، وشقيقاته الأربع: فوزية، وفايزة، وفايقة، وفتحية، التي تزوجت فيما بعد من رياض غالي باشا.. وكان معه أيضا خاله الآخر حسين صبري باشا وزوجته زينب ذو الفقار، كبيرة وصيفات نازلي، وكريمتها الآنسة صافيناز ذو الفقار، التي تزوجها فاروق فيما بعد، وأصبح اسمها "فريدة"، أو الملكة "فريدة".
وفي صباح اليوم التالي، وبينما كنت واقفا أتحدث مع حسنين باشا في أحد صالونات الباخرة أقبل الملك فاروق، وحيا حسنين. والتفت حسنين إلي، وأشار بيده أن أتقدم لكي يقدموني إلى فاروق. ولكن صاحب الجلالة أشاح بوجهه عني وولاني ظهره.. وذلك لأنه كان يمقت، أشد المقت، الصحافة والصحفيين.. حيث كان يعتقد أن كلا منهما إنما هو جاسوس ورقيب عليه !!
ووصلنا مرسيليا في صباح يوم 3 مارس.. وجاء المرحوم علي رشيد بك، الذي أصبح، فيما بعد، وفي عهد الثورة، كبيرا للأمناء، جاء يبلغنا "فوشيه مندوب الأهرام، وأنا"، أن حسنين باشا يرجونا ألا نغضب؛ ذلك لأن "مولانا" يرفض أن نستقل معه وأسرته وأفراد حاشيته القطار الخاص الذي أعد لهم لكي يركبوه من مرسيليا إلى سان موريتز-هذا هو فاروق، وهذه ثقافته-.
دروس من "أمير الصحافة" (2)
وهكذا اضطررنا، أنا وفوشيه، لأن نستقل قطارا آخر لم تكن فيه عربة نوم، أو عربة لتناول الطعام! وأمضينا في القطار نحو ثلاثين ساعة.. لم نذق خلالها طعم النوم. وكان مسيو فوشيه ينزل في المحطات التي يقف فيها القطار، ويشتري لنا طعاما من الخبز والجبنة والسردين!
ووصلنا سان موريتز في صباح 4 مارس.. وذهبنا إلى فندق "سوفريتا هاوس"، حيث كان ينزل فاروق ومن معه، ولحسن الحظ كنت قد حجزت لنفسي غرفة فيه وملحقا بها حمام خاص. وصعدت فورا إلى غرفتي.. وبدأت أخلع ملابسي، لكي أنام فقد كنت في أشد حالات التعب والإرهاق.
وبينما أنا أهم بالاستلقاء في فراشي، دق باب الغرفة، ثم دخل نائب مدير الفندق، وقال لي وهو يعتذر: إن جلالة الملك فاروق قد طلب من إدارة الفندق أن تخرج منه جميع الصحفيين.. وهنا، وقد استبد بي الغيظ والغضب..
قلت: أرجو أن تقول لجلالة الملك إنني حقيقة من رعاياه، ولكنني لست من عبيده.. لا تنس أنني أرسلت إليكم منذ عشرة أيام برقية أطلب فيها أن تحجزوا لي فعلا الغرفة المطلوبة، والآن أرجو أن تتركني لأنني أريد أن أنام ! -تصرف أحمق من الملك، وموقف شديد القوة والحسم من التابعي- فإعتذر الرجل مرة أخرى، وخرج وأغلق وراءه الباب! ونمت حتى المساء.
وفي مساء يوم 20 فبراير من نفس العام دخل مكتبي بجريدة "المصري" محمود أبو الفتح، التي كنا نحن الاثنين ومعنا كريم ثابت، نملكها ونصدرها. ودخل يقول إن جلالة الملك سوف يسافر في يوم 27، وإنه لابد أن يسافر أحدنا معه لكي يوافي جريدة "المصري" بأخبار الرحلة الملكية.. وخصوصا أن جريدة "الأهرام" سوف توفد مندوبا عنها هو مسيو فوشيه وهو فرنسي الجنسية.
ثم قال أبو الفتح: إن كريم ثابت مريض، ولا يمكنه السهر في الجريدة، ولهذا فإن محمود أبو الفتح مضطر لأن يبقى في القاهرة للإشراف على تحرير الجريدة وصدورها، ولم يبق إذن إلا أن تسافر أنت.. ورفضت في بادئ الأمر أن أسافر، ورغم أنه ألح في الطلب، لكنني صممت على عدم السفر. وأخيرا.. تركني وذهب وتحدث بالتليفون مع أحمد حسنين لكي يقنعني بالسفر.. وكان أبو الفتح يعرف أننا صديقان.
دروس من "أمير الصحافة" (3)
وفعلا تحدث معي حسنين بالتليفون، وذكرني بوعدي له في القطار.. وقال: "وأنت .... خير من يقوم بالدعاية لمولانا، وسوف أعطيك جميع الأخبار التي يمكنك أن تبعث بها إلى "المصري".
وهكذا، وبعد ظهر يوم 27 فبراير، سافرت بالقطار إلى بورسعيد، وذهبت إلى الميناء حيث كانت ترسو الباخرة "تايش روي أوف إنديا"، وكنت حجزت لنفسي مقصورة صغيرة جدا؛ لأن الباخرة كانت مزدحمة بالركاب القادمين من نيوزيلاندا، وأستراليا، والهند وسيلان.. إلى آخره.
أبحرت بنا الباخرة في مساء اليوم.
وكان فاروق يصطحب معه أمه نازلي، وشقيقاته الأربع: فوزية، وفايزة، وفايقة، وفتحية، التي تزوجت فيما بعد من رياض غالي باشا.. وكان معه أيضا خاله الآخر حسين صبري باشا وزوجته زينب ذو الفقار، كبيرة وصيفات نازلي، وكريمتها الآنسة صافيناز ذو الفقار، التي تزوجها فاروق فيما بعد، وأصبح اسمها "فريدة"، أو الملكة "فريدة".
وفي صباح اليوم التالي، وبينما كنت واقفا أتحدث مع حسنين باشا في أحد صالونات الباخرة أقبل الملك فاروق، وحيا حسنين. والتفت حسنين إلي، وأشار بيده أن أتقدم لكي يقدموني إلى فاروق. ولكن صاحب الجلالة أشاح بوجهه عني وولاني ظهره.. وذلك لأنه كان يمقت، أشد المقت، الصحافة والصحفيين.. حيث كان يعتقد أن كلا منهما إنما هو جاسوس ورقيب عليه !!
ووصلنا مرسيليا في صباح يوم 3 مارس.. وجاء المرحوم علي رشيد بك، الذي أصبح، فيما بعد، وفي عهد الثورة، كبيرا للأمناء، جاء يبلغنا "فوشيه مندوب الأهرام، وأنا"، أن حسنين باشا يرجونا ألا نغضب؛ ذلك لأن "مولانا" يرفض أن نستقل معه وأسرته وأفراد حاشيته القطار الخاص الذي أعد لهم لكي يركبوه من مرسيليا إلى سان موريتز-هذا هو فاروق، وهذه ثقافته-.
دروس من "أمير الصحافة" (2)
وهكذا اضطررنا، أنا وفوشيه، لأن نستقل قطارا آخر لم تكن فيه عربة نوم، أو عربة لتناول الطعام! وأمضينا في القطار نحو ثلاثين ساعة.. لم نذق خلالها طعم النوم. وكان مسيو فوشيه ينزل في المحطات التي يقف فيها القطار، ويشتري لنا طعاما من الخبز والجبنة والسردين!
ووصلنا سان موريتز في صباح 4 مارس.. وذهبنا إلى فندق "سوفريتا هاوس"، حيث كان ينزل فاروق ومن معه، ولحسن الحظ كنت قد حجزت لنفسي غرفة فيه وملحقا بها حمام خاص. وصعدت فورا إلى غرفتي.. وبدأت أخلع ملابسي، لكي أنام فقد كنت في أشد حالات التعب والإرهاق.
وبينما أنا أهم بالاستلقاء في فراشي، دق باب الغرفة، ثم دخل نائب مدير الفندق، وقال لي وهو يعتذر: إن جلالة الملك فاروق قد طلب من إدارة الفندق أن تخرج منه جميع الصحفيين.. وهنا، وقد استبد بي الغيظ والغضب..
قلت: أرجو أن تقول لجلالة الملك إنني حقيقة من رعاياه، ولكنني لست من عبيده.. لا تنس أنني أرسلت إليكم منذ عشرة أيام برقية أطلب فيها أن تحجزوا لي فعلا الغرفة المطلوبة، والآن أرجو أن تتركني لأنني أريد أن أنام ! -تصرف أحمق من الملك، وموقف شديد القوة والحسم من التابعي- فإعتذر الرجل مرة أخرى، وخرج وأغلق وراءه الباب! ونمت حتى المساء.