رئيس التحرير
عصام كامل

يوميات «حاحا وتفاحة» واقع أم خيال؟ (4)

رغم ما تحملته من مَشَاقّ وَتَبِعَاتٍ بسبب معركة يوميات «حاحا وتفاحة» القضائية، إلا أنني سعدت بوصف النيابة العامة لها بالعمل الأدبي، رغم أنها لم تستوفِّ القالب التقليدي لأي نوعً من الأعمال الأدبية، بل ربما صار ذلك في المستقبل فنًا جديدًا.

 
الراحل «وحيد حامد» عُرف عنه بتقديمه لأعمال إجتماعية ذات بُعد سياسي تناقش قضايا المجتمع المصري، وكتابة المقال السياسي والاجتماعي في أكثر الصحف انتشارًا، ووفاة هذا الكاتب الكبير أحيت بداخلي نزعة الشعور بخطورة القضية التي يعبر عنها العمل الفني، وهو ما كان يدفعه لعمل ضربات إستباقية للمتربصين به.

هل حرية الإبداع تمثل جوهر النفس البشرية؟ (1)

فنجده في أحد أفلامه يضع تحذيرًا في نهاية الفيلم فحواه أن أي راقصة تدعي أنها صاحبة شخصية «سونيا سليم» تُعرِض نفسها للمساءلة القانونية بتهمة الادعاء الكاذب، وأي سياسي يزعم أن شخصية «عبد الحميد رأفت» في هذا الفيلم تمسَّه أو تقترب منه أو حتى تتطابق معه.. فهو صادق تمامًا، وهكذا نجا الفيلم من أدعياء الشهرة، ومن الملاحقات القضائية، فلابد للإبداع من إجراءات قانونية تحميه.

أما في معركتنا، فقد قالت نيابة إستئناف القاهرة أن مسار تلك الشبهة ما أورده «سامح كمال» بصفته رئيس هيئة النيابة الإدارية حينذاك ضد المتهم «عاطف فاروق» من قيامه بنشر ما أسماه يوميات «حاحا وتفاحة» على صفحته الشخصية عبر موقع التواصل الاجتماعي «فيس بوك» إعتاد فيها وبصورة تكاد تكون شبه يومية سب وقذف وإهانة رئيس الهيئة وأعضاء مجلسها الأعلى ورموزها، وعدد من الأعضاء والعاملين بالنيابة ونسبة وقائع غير صحيحة إليهم بغية نشر الأكاذيب والشائعات المُغرِضة تارة وإلصاق أوصاف مهينة وسبهم وقذفهم مباشرة تارة أخرى، «وحاشا لكاتب هذه السطور أن يُفكر في ذلك، فضلًا عن تنفيذه»

وقالت مذكرة نيابة استئناف القاهرة التي وافق عليها القاضي الجليل المستشار مصطفى سليمان النائب العام المساعد: إن الركن المادي في جرائم السب والقذف والإهانة هو تحديد شخص الواقع عليه ذلك الفعل المجرم وضابط هذا التحديد أن يكون من الممكن لفئة من الناس التعرف عليه.

هل يفعلها رئيس هيئة النيابة الإدارية؟ (2)

وأن الثابت من المقال القصصي المعنون «حاحا وتفاحة» محل الإتهام أن محررها أطلقها دون تحديد لجهة معينة بذاتها أو صفات محددة للأشخاص الذين تناوله المقال المنشور بصفحة المتهم الشخصية على موقع التواصل الاجتماعي (فيس بوك) ويمكن من خلالها تعيين أشخاص أو جهات عملهم تعيينًا كافيًا لا محل للشك فيه حتى تقوم جريمة الإهانة المؤثمة بنص المادة 184 من قانون العقوبات. 

وتضمنت مذكرة نيابة استئناف القاهرة التي أعدها القاضي الجليل المستشار باسم ذيدان، أنه بمطالعة النيابة العامة للمقالات المسلسلة « يوميات حاحا وتفاحة» موضوع الاتهام لم يتبين إشارة المتهم لهيئة النيابة الإدارية التي أفصح المشكو في حقه «عاطف فاروق» بالتحقيقات عن تقديره وإجلاله لدورها في محاربة الفساد، كما لم يتبين بالمقالات أي وقائع يُفهم منها إهانة للجهات الواردة بنص المادة 184 من قانون العقوبات.

ويضاف إلى ذلك أن الهيئة القضائية المجني عليها اقتصر دورها على التقدم بالشكوى دونما المثول أمام النيابة العامة وتوضيح كيفية وقوفها على أنها المقصودة بتلك المقالات على وجه التحديد مما تنحسر معه شبهة جريمتي إهانة هيئة النيابة الإدارية والقذف من الأوراق. 
 
ماذا قالت المحكمة عن المتهم المجهول؟

ومن أبطال القصة كذلك الفقيه القانوني الدكتور محمد ابراهيم أحمد، المحامي لدى محكمة النقض، الذي كان الجندي المجهول الذي تطوع للدفاع عن حرية الرأي والتعبير قبل الدفاع عني، حتى انتهت نيابة إستئناف القاهرة إلى أن ما أنتجه «عاطف فاروق» يعد عملًا أدبيًا من وحي خياله، وأن ما تضمنه ذلك العمل الأدبي «يوميات حاحا وتفاحة» من ألفاظ وعبارات ارتأت النيابة العامة أنها في إطار عمل أدبي لا يُفهم منه إهانة أو سب في حق هيئة النيابة الإدارية.

كان هؤلاء أبطال معركتي الذين إنتصروا لحرية الفكر والتعبير، لتصبح «يوميات حاحا وتفاحة» أيقونة الإبداع، وكانت تلك قصتي التي كنت أكتمها هي وقصص أخرى في صدري، ولكن أشتاق للبوحِ أحيانًا.. وللحديث بقية
الجريدة الرسمية