رئيس التحرير
عصام كامل

الحكم في الإسلام.. وإقرار النظام

كان الشعار الرئيسي فيما يسمى بثورات الربيع العربي (الشعب يريد إسقاط النظام)! وفي الجاهلية الأولى كانت القبلية والعنصرية هي التي تحكم البشرية المتناثرة في الصحراء، وجاء الإسلام ووضع النظام لتنظيم الحياة بين القبائل العربية، فنقلها نقلة نوعية غيرت طبيعتها البدوية التي تعتمد على العنصرية، وجعلها إخوة متعايشين تحت مظلة الدين الجديد الذي أرسله رب العباد على خير العباد، فوحد القبائل جميعها تحت مسمى الدولة التي لها رئيس ومؤسسات..


ونشر بين جنبات الأمة العربية المتشرذمة الاعتصام وإقامة العدل ونبذ الظلم وبث روح التكافل والتضامن، فالنظام في الإسلام الذي تأسس على يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم في المدينة المنورة بعد الهجرة إليها بعد الاضطهاد والتعنت والتعذيب الذي لقيه الصحابة، من أهل مكة بسبب دينهم، هو الذي أقام للمسلمين دولتهم الأولى في المدينة المنورة وسط القبلية المقيتة..

 فالنظام الذي أقره عليهم الرسول صلى الله عليه وسلم هو أعمق وأسمى مما كان عليه حال العرب قبل الإسلام، حيث أن النظام في الإسلام المشتق من الحكم هو بمثابة عمارة للارض وتمكين للمؤمنين، وهو من واجبات الاستخلاف في الأرض الذي أرادها لنا المولى عز وجل، ومعلوم من الدين أن الشرع مبني على المصلحة، فأيما وجدت المصلحة فثم دين الله عز وجل، وليس هناك مصلحة للدول والشعوب من إقرار نظام يكفل لهم تدبير شئون حياتهم اليومية..

الإخوان.. والاستقواء ببايدن!

 فالنظام هو مجموعة الأحكام التي إتفق الشعب على وجوب احترامها ووجوب تنفيذها لتنظيم الحياة المشتركة بين أفراد الشعب، والنظام بوجه عام يراعي ظروف البيئة ومقتضيات العصر الذي نعيشه، على أن لا يتعارض معارضة حقيقية مع الأصول والمبادئ الكلية التي فرضها القرآن والسنة في تنظيم شؤون الحكم..

 وهذا ما أقره الدستور المصري في احدى المواد الفوق الدستورية التي تنص على أن الشريعة هي المصدر الرئيسي للتشريع، وذلك بعد استفتاء الشعب عليها في التعديل الأخير للدستور،  فمعظم قواعد نظام الحكم في الإسلام موجودة ومتحققة في الدستور المصري الذي يحكم البلاد، ومن هذه القواعد الشورى فقد جعل الدستور المصري مجلس للشورى (الشيوخ) من خلاله يتم دراسة  القوانين التي تصدر من مجلس النواب ويمنح المشورة الواجبة لتلك القوانين بما لا يخالف مواد الدستور، وهناك أيضا لرئيس الجمهورية مستشارين يستشيرهم في إصدار القرارات التي تنظم حياة المواطنين، كل في اختصاصاته حتى لا يكون هناك قرارات غير مدروسة..


فكل قرار يصدر تتم مناقشته من أهل الخبرة في المجالات الحياتية المختلفة، والشورى نهج إسلامي فالرسول كان يستشير أصحابه في المسائل الدنيوية وينزل على ارائهم، وهناك مثال واضح في ذلك مثل ما حدث في غزوة الخندق وفي أسارى بدر وغيرها من المواقف والمشاهد، وسار من بعدهم الخلفاء الراشدين أبوبكر وعمر وعثمان وعلي، وعليه يصبح تداول السلطة على أسس النظام الذي يحافظ على الدستور..

وإذا كان هناك تغيير للنظام لا بد أن يكون من خلال الوسائل الدستورية، وليس من خلال إسقاط النظام وإشاعة الفوضى وفرض شريعة الغاب، وحري بكل معارض في قلبه مثقال ذرة من وطنية عليه أن يحافظ على كيان الدولة، ويجاهد من أجل نهضتها وتقدمها، وإذا كان يلتمس تغيير فليكن من خلال القنوات الشرعية ومنها صناديق الانتخابات ليحصل على إرادة الشعب في اختياره، وليس من خلال الاستقواء بالدول الخارجية لتركيع الوطن لهم وتنفيذ اجنداتهم الخاصة بهم..

وهكذا تكون الحياة الديمقراطية السليمة بعيدا عن طريق الغوغائية والوسائل الفوضوية والمصالح الخاصة بكل فصيل معارض، وأعود وأؤكد على أن النظام السياسي في الإسلام وسطي بين الديكتاتورية والتفريط، تراعى فيه الحرية المنضبطة التي تتوقف عند حرية الآخرين، فالنظام في الإسلام أقر الحرية في العقيدة والحرية في الرأي والفكر، حتى أن الإسلام لم يسمح للحاكم أن يتصنت على المنازل ولو كان اصحابها قائمون على شرب الخمر..

انتخابات البرلمان.. وظاهرة المال السياسي!

 كما أقر النظام في الإسلام العدالة الاجتماعية والتكافل والتضامن بين أفراد الشعب، فلما نبحث عن الاتحاد الأوروبي والدستور الأمريكي لكي يتدخلوا في شئوننا من أجل تنظيم حياتنا، ونحن عندنا مصدر التشريعات الربانية التي أنارت للعالم كله سبل الحياة، والذي أريد أن أنوه إليه أن الحكم في الاسلام أمر تعاقدي بين الحاكم (رأس النظام السياسي في الاسلام) وبين عامة الناس (الشعب) وهوعقد محدد بفترة زمنية بست سنوات ميلادية ما يسمى بالفترة الرئاسية وغالبا تكون مقيدة بفترتين، حسب ما تنص عليه إحدى مواد الدستور الذي وافق عليه الشعب، فنظام الحكم في الإسلام يتوافق مع النظام المصري حسب الدستور المصري فهو لا يقر التوريث في الحكم..

 بل لا بد من عملية انتخاب جديدة في كل مرة يشغر فيها كرسي الحكم بالوفاة أو الاستقالة الطوعية أو إنتهاء فترة الرئاسة، فيما يسمى هذا النظام في العصر الحديث بالنظام الرئاسي الجمهوري.

والذي أخلص إليه في نهاية مقالي هذا أن النظام المصري يعزز الحقوق والحريات الشخصية والسياسية، والمدنية، والاقتصادية، والاجتماعية في البلد بعيدا عن الخصومات السياسية وأن كان هناك قصور في التطبيق على أرض الواقع.


الجريدة الرسمية