رئيس التحرير
عصام كامل

وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به!

خطورة الكلمة ليست خافية وإذا كان البعض لا يستشعر تلك الخطورة فلا أقل من استحضار ما دار من حوار بين رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعاذ بن جبل الذي قال: "يا نبيَّ اللَّهِ، وإنَّا لمؤاخَذونَ بما نتَكَلَّمُ بِهِ؟ فقالَ : ثَكِلَتكَ أمُّكَ يا معاذ، وَهَل يَكُبُّ النَّاسَ في النَّارِ على وجوهِهِم أو على مَناخرِهِم إلَّا حَصائدُ ألسنتِهِم".


وما قال رسول ذلك إلا لأن حصائد الألسنة والأقلام قد تكون وسائل بناء أو معاول هدم للمجتمعات؛ فالفتنة أشد من القتل وأكبر وهو ما أكدته أبحاث كثيرة أجراها غير مسلمين؛ ومن ثم أمرنا الله تعالى بانتقاء كلماتنا فهي مفاتيح القلوب حتى لا نؤذي بها أحدًا:" قَوْلٌ مَّعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِّن صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ (البقرة:263)

الإعلامي الكاذب.. والإعلامي الحق!

وقال تعالى: "واجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ" (الحج:30)،  كما أمرنا سبحانه بلين القول وطيب الكلم بقوله: "ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (النحل:125)..

وذلك حتى نحدث أثراً طيباً في النفوس تأتلف به القلوب وتلتئم به الصفوف وتتحد به الكلمة وحتى نعطى للآخر صورة صحيحة عن الإسلام.. ولمَ لا وقد أمر الله نبيه موسى وأخاه هارون بأن يلينا الكلام لفرعون بقوله تعالى:"اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى" (طه 43،44).

لماذا الكلمة أمانة؟!

ما أوردناه سلفاً يدلنا بوضوح على أن للكلمة الطيبة تأثيراً لا يعدله تأثير، ومن ثم قدمها الله على الصلاة والزكاة في قوله تعالى: "وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ (البقرة:83) كما جعلها رسول الله صدقة لقائلها بقوله "الكلمة الطيبة صدقة".. فما من كلمة يصدرها الإنسان إلا وتترك أثراً في متلقيها لا يزول بمرور الزمن وهي إما أن تكون سبباً في شقاء الإنسان أو سعادته وربما تكون أكثر إيلاماً من العقاب البدني؛ ولهذا وجب الحرص على ترك أثر طيب في نفوس الآخرين وعقولهم؛ فلا ندري لعل كلمة طيبة تكون سبباً في دخول صاحبها الجنة..

يقول ربنا عز وجل:" أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ (24) تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا ۗ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (25) وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِن فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِن قَرَارٍ" (إبراهيم 24-26).
الجريدة الرسمية