رئيس التحرير
عصام كامل

الإدارة المشتركة للسد الإثيوبي

الفوضى الراهنة في إثيوبيا ربما تكون أخطر مما جرى لمصر أيام ٢٥ يناير عندما استغلت إثيوبيا الفرصة وشرعت في بناء سد النهضة وهو ما لم تفكرً فيه مصر أبدًا وبالرغم من الخلافات بين مصر وإثيوبيا، فمصر تلعب بنزاهة ولا تدعم أى حركات مناوئة، وهذا بحسب جريدة فور إن بوليسي وتصريحات رئيس إقليم تيجراى والجيش الإثيوبي علما بأن قوات تيجراي مدربة ومؤهلة للقتال ولا ينقصها سوى التسليح والمدد من الخارج لتستولي على إثيوبيا في أيام قليلة وهو ما ينذر بفوضى شاملة تهدد إستقرار المنطقة وتجعل حياة دول حوض النيل معرضة لمخاطر شديدة.


وحذّرت مجموعة الأزمات الدولية من أنه ما لم يتوقف القتال فورا، فسيكون النزاع "مدمّرا لا لإثيوبيا فحسب بل للقرن الإفريقي بأكمله". واعتبرت المجموعة أنه نظرا للقوة العسكرية لإقليم تيجراي حيث يقدّر عدد الجنود بنحو 250 ألفا، من شأن أي حرب أن تكون "طويلة ودامية" وكان آبي أحمد يريدها حملة عسكرية سريعة، لكنها لن تكون سهلة وقد تمتد كرة الثلج وتنمو.

الحل الأمريكي الجاهز للسد الإثيوبي

ومعنى ذلك استمرار الحرب لفترة وهو ما يعني إشتعال المنطقة كلها لأن إثيوبيا هي رمانة الميزان هناك، وربما تمتد إلى إريتريا والسودان. وما يعنينا في الأمر هو كيفية إدارة السد الإثيوبي في تلك الفوضى والحل المتاح والبسيط والمنطقي هو أن تكون الإدارة مشتركة لمصر والسودان مع إثيوبيا والاستفادة من تجربة الإدارة المشتركة للسدود الدولية فى سد النهضة مثل سد نام تون "2" لتوليد الطاقة المائية في لاوس، وتمتلكه لاوس وتايلاند، وسد إيتايبو، وتمتلكه البرازيل وبارجواى، وسدود ميكادايما ومونانتولى، وتملتكها السنغال وموريتانيا ومالى وغينيا، ومشروع مرتفعات ليسوتو ويقع في دولة ليسوتو ويمد جنوب أفريقيا بالمياه. 

وقد اقترحت مصر قبل 74عاما مشروعات مائية مشتركة مع دول حوض النيل وفق الوثائق البريطانية، ففي عام 1946 اقترحت وزارة الأشغال العامة المصرية ثلاث مشروعات مشتركة في إثيوبيا وأوغندا وجنوب السودان (دولة جنوب السودان).

والحكاية أن إثيوبيا قامت بإجبار عدة شعوب على التجمع معا فى اتحاد فيدرالى لشعوب تختلف فى العقيدة واللغة والتاريخ، شعوب لا يجمعها إلا القوة التى تجبرها على ذلك وفشلت كل الحكومات الإثيوبية المتعاقبة على إقناع تلك الشعوب بأن تجمعها يحقق مصالحها كلها، وهكذا تعيش إثيوبيا على فوهة بركان في حرب إثنية وعرقية وأهلية..

ومن المعروف أن الدولة الإثيوبية كانت تحكم من قبل ائتلاف حاكم يسمى "الجبهة الديمقراطية الثورية للشعوب الإثيوبية" يتكون من أربعة أحزاب هي حزب الأورومو الديمقراطي، وحركة الأمهرا الديمقراطية، والحركة الديمقراطية لشعوب جنوب اثيوبيا، والجبهة الشعبية لتحرير تيغراي، وكانت الإخيرة هي المكون الرئيسي للائتلاف الحاكم السابق.

ولكن بعد قدوم أبيي أحمد إلى السلطة في أبريل 2018 أعاد تشكيل الائتلاف الحاكم تحت مسمى "حزب الازدهار"، وأضاف نفس الأحزاب، وأحزابا أخرى، ولكنه استثنى منها الجبهة الشعبية لتحرير تيجراي، "التي هيمنت"، على الحياة السياسية في اثيوبيا على مدى ثلاثة عقود قبل وصول آبي أحمد إلى السلطة  على خلفية تظاهرات مناهضة للحكومة آنذاك، على الرغم من أن المتحدرين من تيجراي لا يشكلون إلا ستة في المئة من سكان البلاد البالغ عددهم مئة مليون.

إثيوبيا التي لا نعرفها

وآبي أحمد هو أول رئيس وزراء من عرقية "أورومو" وهي أكبر عرقية في اثيوبيابنسبة 34.9% من السكان تقريبا. جاء آبي أحمد بعد رئيس الوزراء السابق هايلي مريام ديسالين، الذي فشل على مستوى الداخل في حل مشاكل قومية الأورومو، واعتقل قياداتهم، وأعلن حالة الطوارئ ورفض إجراء أي تسويات مع الجماعات الموصوفة هناك بأنها إرهابية كما رفض إجراء مصالحة مع إريتريا وبالتالي كانت التضحية بديسالين للمحافظة على تماسك الائتلاف الحاكم، وقدموا أبي أحمد. 

جاء آبي أحمد بسياسة تصفير المشاكل على مستوى الداخل والخارج وأنشأ وزارة للسلام، وفي عهده انتخبت إمراة رئيسة للبرلمان وانتخبت امرأة رئيسة للجمهورية ورفع حالة الطوارئ لفترة ورفع أسماء أربع جماعات من قائمة الجماعات الإرهابية الإثيوبية وأدار معهم حوارا وحصل على جائزة نوبل للسلام".

لكن كل ذلك لم يشفع لآبي أحمد بأن يحقق استقرارا في الداخل، لأنه عادى رجال الحرس القديم وأجرى تغييرات جذرية كما اصطدم بقيادات الجيش. وتعرض آبي أحمد نفسه لمحاولة اغتيال بعد شهرين فقط من وصوله لرئاسة الحكومة، ثم تعرض لمحاولة انقلاب عسكري انطلق من إقليم أمهرة بقيادة مدير الأمن السابق في الإقليم واغتيل فيها حاكم الإقليم ورئيس الأركان. 

وارتفعت حدة التوتر عندما أجرت تيجراي انتخاباتها بشكل أحادي في سبتمبر الماضي بعدما قررت اثيوبيا تأجيل الانتخابات التي كانت تنتظرها للإطاحة بحكومة أبي أحمد، جرّاء فيروس كورونا المستجد. واعتبرت إثيوبيا أن حكومة تيجراي غير شرعية، ما دفع بالأخيرة لسحب اعترافها بإدارة أبي، فقطعت الحكومة الفيدرالية التمويل عن المنطقة ما اعتبرته جبهة تحرير شعب تيجراي "عملا حربيا". لتنذر بحرب أهلية تهدد استقرار ست دول على الأقل..
الجريدة الرسمية