رئيس التحرير
عصام كامل

الحل الأمريكي الجاهز للسد الإثيوبي

من المرات القليلة التي تعكس مناقشات الناس على الفيس بوك قدرا كبيرا من الوعي والرشد ودراسة الجدوى بالبحث عن الخطوة الثانية وذلك تعليقا على تصريحات ترامب بشأن السد الإثيوبي بأن مصر يمكن أن تفجر السد، وقد فهم البعض بأن ترامب يعطى تلميحات بعدم ممانعة إدارته لذلك..


أو أنها لا تستبعد وقوعه فى حال استمرار موقف إثيوبيا الرافض لأى اتفاق، إلا أن المقصود منه هو تحذير إثيوبيا بشدة، لأن ترامب كان يتحدث فى سياق ضرورة التوصل إلى حل سلمى وتفاوضى وإشارته إلى مفاوضات واشنطن وإدانته الشديدة لانسحاب إثيوبيا ورفضها التوقيع، تعيد وثيقة واشنطن للواجهة مرة أخرى..

فهناك حل فعلى متوافق عليه من الأطراف الثلاثة بنسبة تزيد على ٩٠% ، والنسبة المتبقية وضعتها واشنطن بالتنسيق مع البنك الدولى بشكل متوازن لمصالح الدول الثلاث.. بما يعنى أن هناك حلا جاهزا وأن العقدة هى فى المراوغة والكذب الإثيوبي وتعريض المنطقة لمخاطر عدم الاستقرار طويل الأمد.

أمة تشاهد الديمقراطية ولا تمارسها

ثم إن تلك التصريحات ترفع الحرج عن مصر وتفتح أمام الموقف المصرى آفاقا واسعة وتمثل بداية لمرحلة جديدة لابد أن يكون عنوانها الحسم قبل منتصف العام المقبل. غير أن هناك تساؤلا حول الخشية من أن تكون تصريحات ترامب هى مجرد فخ لتوريط مصر فى مواجهة عسكرية مثلما حدث مع العراق فى الكويت.

ومع وضع تلك المخاوف موضع الاعتبار ولكن ليس هناك أى وجه للشبه مع أزمة احتلال الكويت ويجب أن نأخذ فى الاعتبار أن مصر تفاوض بصبر زائد منذ عشر سنوات بحثا عن اتفاق متوازن يحقق مصالح الدول الثلاث فمصر ليست فى موقع هجوم أو عدوان أو احتلال، بل هى فى موقع دفاع عن حق الحياة والوجود كما أن مصر ليست فى صدد خوض حرب أو نقل قوات أو احتلال لأراضى الغير، بل ستكون عملية عسكرية جراحية ومحدودة فى حالة الاضطرار..

 ولقد أثبتت مصر قضيتها العادلة فى كل المحافل الإقليمية والدولية بشكل ناصع ولكن هناك مشكلة مبادئ لأن مصر فى ريادتها للأتحاد الأفريقى كانت صاحبة مبادرة سكوت البنادق السلمية لحل النزاعات الأفريقية فصعب عليها كسر المبادرة وجنوب أفريقيا تنتظر ذلك بل وتحلم به لتحريض أفريقيا السوداء علينا وهناك من يرى أن الأعداء يستفزون الكرامة المصرية ويحثون على ضرب السد الإثيوبي وترك سيناء للإرهاب وليبيا للخليفة المنتظر، لتكون مصر  الضحية القادمة للإرهابيين بعد سوريا وليبيا وهم يعقدون مع أثيوبيا اتفاقيات دفاع مشترك للوقوف فى وجه مصر وأن غاية ذلك هو فتح المزيد من الجبهات الساخنة لتشتيت مصر وإبعادها عن مجالها الحيوي في المنطقة كلاعب أساسي.

وربما يكون الحل داخليا عندما يعرف الشعب الإثيوبي الحقائق لإن القيادة الإثيوبية تستخدم أزمة السد لتوحيد أطياف الشعب الإثيوبي خارج وداخل البلاد ولإشغالهم فى هذه القضية ولإيهامهم بالرخاء المستقبلى ليخرجوا من حالة الضيق الشديد من مظاهر الفقر ونقص الخدمات والتفرقة العنصرية نتيجة للقمع الداخلى ونتيجة لسياسات الدولة الفاشلة ولتخصيص معظم المساعدات الاقتصادية الدولية لبناء السدود على الأنهار المشتركة مثل نهر أومو والنيل الأزرق وعطبرة والسوباط وللمغامرات العسكرية فى الصومال وإريتريا.

إثيوبيا التي لا نعرفها

والنظام الإثيوبي يخدع الشعب ويوعده بأنه بعد سد النهضة سيتم توصيل الكهرباء لأكثر من 70 مليون منزل، ولو فرضنا أن استهلاك المنزل الواحد 100 كيلوات فى الشهر كحد أدنى، أى 1200 كيلوات فى السنة، يصير استهلاك هذه المنازل 84000 مليون كيلووات، أى 84000 جيجاوات، بينما انتاج سد النهضة بحد أقصى لا يزيد على 14000 جيجاوات، أى لا يكفى لأكثر من 16% فقط من الكهرباء المطلوبة لإضاءة هذا العدد من المنازل (10 ملايين منزل على الأكثر).

وكيف ذلك في عدم وجود شبكات الكهرباء الداخلية اللازمة لنقل ثلث هذه الكهرباء للداخل، وكم تكلف الشعب الإثيوبي وهل ستكون هناك قروض جديدة لتمويل هذه الشبكات، وكم سنة ستأخذها إنشاءات هذه الشبكات!؟ والأدهى من ذلك أنّ الحكومة الإثيوبية تعد الشعب بدخل مليار دولار سنويا من بيع نفس الكهرباء للخارج.

والأغرب أن إثيوبيا قللت 3 توربينات من السد ليصيح عدد التوربينات 13 توربينة فقط، مما يقلل كهرباء السد عن الكمية الموضحة بحوالى 18%. وفى حالة بيع ثلثى كهرباء السد للسودان، فكم سيكون سعرها، هل 5 سنت للكيلوات وفقا لوعدهم السودانيون لتكون إجمالى الإيراد 300 مليون دولار والتى لن تكفى وحدها لسداد تكاليف الصيانة والتشغيل السنوية للسد.
الجريدة الرسمية