لا تغيروا زوجاتكم وأولادكم
وراء كل نابغة في العالم قصة كفاح ينبغي الاستفادة منها والتوقف مليا عند محطات النجاح فيها وكذا الإخفاقات والتحديات، ثم الحذر من عدم شفافية الإدارة وفساد ربما تورط فيها النوابغ حفاظا على ثروات طائلة تمكنوا من جمعها وجعلتهم يتسيدون الأسواق العالمية بمنتجاتهم.
من الأسماء التي علينا التأمل في حياتها قطب الاتصالات الكوري الجنوبي، صاحب الشخصية الآسرة، لي كون هي، الذي توفي مطلع الأسبوع عن 78 عاماً، وهو أغنى أغنياء بلده، وتمكن بمجهوده ونبوغه من وضع كوريا الجنوبية على خارطة الاقتصاد العالمي، بعدما نجح في تحويل عملاق الإلكترونيات "سامسومج"، التي أسسها والده، من مجرد مقلد لصنع الأجهزة إلى أكبر منتج للهواتف الذكية وأجهزة التلفزة وشرائح الذاكرة في العالم، وحسبما قدر مؤشر بلومبرغ للمليارديرات، فإن صافي ثروة لي كون هي تقدر بـنحو 20.9 مليار دولار، بينما بلغت القيمة الفعلية لشركته 300 مليار دولار.
قاطع التركي.. ادعم المصري
في سعيه الدائم للابتكار والتطوير والتقدم على منافسيه، تبنى لي كون هي، شعار "تغيير كل شيء باستثناء الزوجات والأولاد"، ونصح موظفيه دائما بضرورة تغيير كل ما يحيط بهم في الحياة وصولا للأفضل "ما عدا زوجاتكم وأطفالكم".
ففي العام 1995، قام لي بجمع نحو 2000 عامل، لمشاهدته وهو يشعل النار في 150 ألف هاتف نقال وأجهزة فاكس ومنتجات أخرى للشركة لا تلبي معايير الجودة التي يريدها، ودعاهم إلى بدء إنتاج مختلف بمعايير مبتكرة لوضع العلامة التجارية في الصدارة العالمية.
قالت شركة سامسومج في بيان نعي رئيسها "كان رئيس مجلس الإدارة، لي، صاحب رؤية حقيقية، حوّل سامسومج من شركة محلية إلى شركة رائدة عالميا في الابتكار وقوة صناعية.. سيظل إرثه إلى الأبد".
اختير رئيس سامسومج لي كواحد من الأكثر نفوذاً وتأثيراً في العالم مرات عدة، وبدأ إصلاح "سامسومج للإلكترونيات" بعدما رأى منتجات الشركة يتراكم عليها الغبار في أحد متاجر الإلكترونيات في لوس أنجليس، مثلما جاء في سيرته الذاتية الصادرة قبل 10 سنوات.
ولد لي في يناير 1942، ونشأ في منطقة يوريونغ الريفية القريبة من العاصمة سول.. في عام 1938، افتتح والده لي بيونغ تشول متجرا للبقالة من أربعة طوابق في المنطقة أصبح فيما بعد مقرا لمجموعة سامسومج، ونظرا لثراء أسرة لي تمكن من الدراسة الجامعية في اليابان واستكمل دراسة الماجستير بالولايات المتحدة في جامعة جورج واشنطن.
فور عودته من أمريكا انضم إلى سامسومج في العام 1968، وفي 1974 استحوذ على شركة شبه الموصلات الكورية التي كانت على وشك الإفلاس، واشتراها من ماله الخاص، ليستثمر في شبه الموصلات رغم تشكك إدارة المجموعة بجدوى هذا الاستثمار، وبفضل دعم والده تمكن من تأسيس معهد الأبحاث لشبه الموصلات، لكنه واجه فيه تحديات عدة تمكن من التغلب عليها، حتى أصبحت سامسونج للإكترونيات أكبر صانع لرقائق ذاكرة الكمبيوتر في العالم في العام 1992، وهو نفس العام الذي أصبحت فيه أول شركة تقوم بتطوير شرائح DRAM بسعة 64 ميغا بايت، وظلت مسيطرة على صدارة صناعة شبه الموصلات في العالم لأكثر من 20 عاما.
انفجار بالوعة هيلاري كلينتون
قبل ذلك ببضع سنوات عين لي كون، رئيسا لمجلس إدارة مجموعة سامسومج خلفا لوالده في ديسمبر 1987، أي بعد 12 يوما من وفاة الأب، وقام بتقسيم المجموعة إلى شركات حسب تخصصاتها ضمن استراتيجية جديدة وإدارة أكثر دقة.
بعد هذه المرحلة، واجهت المجموعة تحديات صعبة حتى تتفوق في الإلكترونيات والصناعات الثقيلة والكيماويات والأموال والمعلومات، فقد لاحظ لي أن المجموعة لم تبد تغييرا ملموسا، وزادت نسبة تلف هواتف الشركة اللاسلكية، فوضع معايير لا يمكن التنازل عنها، وفي العام 1994 حصلت الشركة على المركز الأول لأجهزة الهاتف اللاسلكي، وانتقل إلى منافسة "موتورولا" للهيمنة على السوق الكورية وطرح هاتفا نقالا باسم "أينيكول" حقق شهرة استمرت عبر سلسلة هواتف "جالاكسي اس وجالاكسي نوت"، التي تحقق 40% من عائدات المجموعة.
وعن طريق ابتكارات شبه الموصلات وسيطرته على السوق العالمي بلا منازع، وتطور المجموعة المذهل في صناعة الإلكترونيات الأخرى بما فيها الهواتف النقالة، تضاعفت المبيعات 39 مرة خلال 25 عاما وأصبحت المجموعة في المركز التاسع عالميا من حيث القيمة السوقية.
جاء في مذكرات لي كون "بدأ تحول الشركة في 1993 عندما جمع لي كبار المسؤولين التنفيذيين في ألمانيا ووضع خطة (إعلان فرانكفورت)، لتحويل سامسومج من صانع تلفزيوني درجة ثانية إلى شركة رائدة تصنع منتجات عالية الجودة، حتى لو انخفضت المبيعات، وأدى التغيير إلى نتائج ملموسة بعد فترة، وتجاوزت سامسومج للإلكترونيات شركة سوني، لتصبح أكبر بائع لأجهزة التلفاز المسطحة في 2006، وهو العام نفسه الذي تجاوزت فيه قيمتها السوقية 100 مليار دولار، وفي 2010، قدمت سامسونج الهاتف الذكي جالاكسي، بنظام آندرويد، فمكنها في العام التالي من تجاوز شركة آبل، كأكبر صانع للهواتف الذكية في العالم من حيث الوحدات المباعة".
وإلى جانب الهواتف الذكية، توفر سامسونج أيضا أشباه الموصلات لمراكز بيانات غوغل وهواتف آبل (آيفون) فضلا عن أنها صانع الشاشات الأكثر تقدما في العالم لأجهزة التلفزيون والكمبيوتر والهواتف.
بلطجة أردوغان أشعلت القوقاز
نجاح كون في تحويل شركة والده إلى عملاق اقتصادي عالمي، لم يمنع ادانته بالفساد والتهرب الضريبي، وتعرض هو وإمبراطوريته الصناعية للتشهير بسبب نفوذهما الاقتصادي الهائل، وطريقة إدارته غير الشفافة في ظل وجود تحويلات مريبة لثروة عائلته، ووجهت له النيابة بعد مداهمة منزله ومكتبه في يناير 2008، تهمة رشوة أعضاء النيابة العامة، والقضاة، وشخصيات سياسية نافذة، فضلا عن مخالفات مالية جسيمة، وقد أنكر في البداية جميع الاتهامات ثم اعترف وتحمل المسؤولية كاملة، فحكم عليه بالسجن ثلاث سنوات مع إيقاف التنفيذ وتغريمه 98 مليون دولار، ليصدر الرئيس الكوري الجنوبي عفوا عنه.
إدانة كون بالفساد والرشوة، دفعته للاستقالة من رئاسة المجموعة، لكنه عاد إلى رئاسة مجلس الإدارة بعد فترة من العفو الرئاسي في مارس 2010، ورغم الانتقادات التي واجهها حافظ على النجاح وتمدد المجموعة عالميا، حتى أن عدد العاملين فيها زاد من 100 ألف إلى أكثر من 4 ملايين، وزيادة عدد الشركات المنضوية تحت لوائها من 17 إلى 81 شركة.
وبعد وفاة لي كون هي، ستنتقل رئاسة المجموعة إلى ابنه الوحيد جاي واي لي، الذي كان رئيسها الفعلي منذ دخول والده المستشفى في العام 2014، وسيبدأ بتسوية ضرائب الميراث البالغة نحو 13 مليار دولار، ونظرا لضخامة الضريبة فإن القانون الكوري الجنوبي يتيح للورثة تقسيط الضرائب لمدة 5 سنوات.
وبخلاف الضرائب المليارية، سيكون على الحفيد جاي واي، إثبات جدارته بالحفاظ على المجموعة العملاقة سامسومج المعروفة محليا باسم تشايبول نسبة إلى الجد المؤسس، بعدما تمكن الأب من جعلها أكبر مجموعة صناعية تديرها عائلة في كوريا الجنوبية، وأوصلتها قيمتها السوقية إلى المركز التاسع عالميا.