رئيس التحرير
عصام كامل

اللامركزية الكاذبة.. وإفساد التعليم


تستطيع التأكد بكل سهولة أن عبوة الطعام أو الشراب المغلفة فارغة دون أن تفتحها، بينما لا تكتشف فسادها إلا بعد تذوقها، كما قد تخدعك المظاهر أو المناصب أو الدرجات العلمية إلى أن ترى بعينك، وتسمع بأذنك ما يقدح في أصحابها، وتلك هي قضيتنا التي سنتحدث عنها اليوم.


إن هناك أشياءٌ قبيحة تُصَدَر للمصريين بوصفها جميلة، وعليهم أن يتجرعوها، ويتلذذوا بطعمها، وإلا فقد خالفوا المعيار الثابت في التذوق، الا وهو معيار «مجانص»، وهى الشخصية التى أداها الفنان محمد فرج في فيلم اسماعيل يس بوليس حربى والذى عرض عام 1958، حيث لم يجد "مجانص" غضاضة في شُرب الماء القذر ويؤكد أنه «شوربة» لينافق الشاويش عطية ويُحطِم إسماعيل.

لماذا تسقط الدعوى التأديبية رغم الشق الجنائي؟

والحقيقة أن ظاهرة «مجانص» تفاقمت حتى صارت وسمةً مميزة لأولئك المحيطين بالقيادات، وهي ظاهرة متلازمة مع القيادة الفاشلة، فبينما نجد رئيس الدولة في زياراته المتعددة باش الوجه، مُحافظًا على كرامة من يلقاهم، وربما مازحًا معهم، وعلى غراره رئيس الوزراء الدكتور مصطفى مدبولي الذي قد تبهرك معلوماته التاريخية عند معاينته اكتشاف مقبرة، ويفاجئك بالنزول بالحبل داخل بئر، ولكنك لا تشعر بتكبر ولا تكلف ولا استعلاء..

ومثال القيادة الفاشلة، الدكتور أيمن مختار مُحافِظ الدقهلية الذي تنمر على مديرة مدرسة بعد أن تقمص دور معاون المباحث الذي يستجوب المتهمين عقب ضبطهم متلبسين بأحراز جريمة خطيرة، ولم يستفد الرجل من الماجيستير أو الدكتوراه المدونين في سيرته الذاتية، ولا من الدورات والدراسات التي حضرها، وهنا تبدو مظاهر الضعف، حين يتصنع الحرص على أن يكون «كله تمام» وفق معتقداته، دون النظر إلى الموارد المتاحة أو الجهد المبذول، ودون إحترام لكرامة الموظف، وبجهل شديد بالوصف الوظيفي لمديرة المدرسة، والتي لا يمكن أن يُسند إليها تنظيف زجاج الفصل.

هل أساء المذيعان حق الشكوى.. وتجاوزا حدودها؟

ويتكرر الموقف مع مدير مدرسة أخرى، ولكن بصورة أقل وطأة، بينما يقف الدكتور طارق شوقي، وزير التربية والتعليم سلبيًا كعادته، فهو لا يبالي بالمعلم أو مدير المدرسة، ولايشغل باله إلا بالانترنت والفضاء السيبراني، وهنا يضيع العاملون في وزارة الترببة والتعليم بين بطش وتنمر المحافظ وسلبية وإهمال الوزير، حتى صاروا «أضيعُ من قمر الشتاء» كما كانت تقول العرب قديمًا وذلك لتعاقب السُحُب عليه فلا يكاد يظهر حتى يختفي.

وليت مُحافِظ الدقهلية «الشاب» الدكتور أيمن مختار، سأل من أهانهم دون مبرر عن رواتبهم، وقارنه براتبه و رَفَعَ الأمر للقيادة السياسية مطالبًا بتحسين أوضاعهم المالية، وموضحًا أن تلك الرواتب لا تتناسب مع ثلاثين عامًا من العطاء، وليت المحافظ شاهد المعلم الذي يخرج من المدرسة ليضع قطعة ورق مُقوى حول أعمدة الإنارة المحيطة بالمدرسة ليحمي الطلاب رغم عدم اختصاصه، وليته شاهد معلمًا آخر يحمل المقاعد على كتفه لنقص العمال، وليته، وليته، أو ليته سكت. 

ماذا حدث في عهد طارق شوقي؟ (2)

ولا شك أن مواقف أيمن مختار، مُحافظ الدقهلية لو حدثت من وكيل وزارة أو من يُعادله في الدرجة لاستوجبت إحالته للمحاكمة التأديبية، وإدانته وعزله من الوظيفة القيادية، ولكنه.. وطارق شوقي، وزير التربية والتعليم السلبي يشغلان مناصب سياسية، تستلزم تدخل القيادة السياسية لمحاسبة كل منهما على إهانة رموز التعليم، خاصة المشهود لهم بالكفاءة والخبرة، وليكون في ذلك درس لغيرهم فلا يغتروا بوجود «مجانص» حولهم، ذلك الذي يُصوِر للمسئول أنه رسول العناية الإلهية الذي يُقدم الدواء للمحتاجين، ولو أنصف «مجانص» لقال الحقيقة، إنه ماءٌ قذِر.. وللحديث بقية

الجريدة الرسمية