رئيس التحرير
عصام كامل

بين التصوف والتسوف

التصوف منهج مشتق من منهج الإسلام وهو بمثابة روحانية الإسلام، وهو يبدأ من مقام الإحسان الذي أشار إليه الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم وعلى آله بقوله: "أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك"..

 

وفي ذلك إشارة إلى المراقبة وعبادة الله تعالى عبادة أهل الشهود ولا يتحقق ذلك إلى بعد إقامة أركان الإسلام والاستقامة على منهجه وبعد اكتمال الإيمان والارتقاء من إيمان الاعتقاد إلى إلإيمان الحق أو إيمان التحقيق والشهود..

 

ومنهج التصوف يدور حول الزهد والحب والصدق والإخلاص وهو ينطلق من مجاهدة هوى النفس وميلها وشهواتها وتحريرها من أثر الغرائز والشهوات والعمل بجد على تزكيتها وتصفية القلب من العلائق والأغيار وذلك بإقامة أركان الدين والالتزام بأمره ونهيه وإقامة حدوده وتعاليمه وإتباع هدي النبي الكريم صلى الله عليه وسلم وعلى آله. 

رسالة إلى أصحاب العقول 

ثم الاجتهاد في عبادات النوافل والذكر والأعمال الطيبة المرضية لله تعالى، وهذا ما أشار إليه العارفون بالله حيث قالوا عن التصوف هو التخلي والتحلي والتجلي.. التخلى عن كل وصف مذموم في النفس وتخلي القلب عن التعلق بغير الله تعالى ومحبته.. والتحلي بالأخلاق المحمدية الكريمة وبالفضائل والمحاسن والمكارم. والتجلي إشارة إلى تجليات الله عز وجل بأنوار أسمائه وصفاته على قلب العبد الذي تخلى وتحلى وصار أهلا للتجلي..

 

هذا والتصوف بمعناه الحقيقي وهو الزهد فيما سوى الله تعالى قديم فما من نبي إلا وهو زاهد فيما سوى الله تعالى.. ولقد اشتهر الكثير من الصحابة والتابعين وتابع التابعين بالزهد حتى صار لهم حالا من الوصل والقرب من الله تعالى بعدما كاشفهم الله تعالى بحقائق النفس وأسراره تعالى فيما يتعلق بالقلوب والعقول والأرواح بعدما أفاض عليهم من أنوار معارفه..

 

ولقد كانوا بحق رجال أهل محبة وصدق وإخلاص وتقوى ويقين وزهد وصدق فيهم قوله تعالى: (مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ ۖ فَمِنْهُم مَّن قَضَىٰ نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ ۖ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا) وهناك فرق كبير بينهم وبين غالبية من ينتمون للتصوف في هذ العصر.. فغالبية المنتمين للتصوف في هذا العصر منتمون شكلا ورسما وجسما فقط .

 

يتشدقون بأقوال الرجال وفعلهم فعل الصغار . يتكلمون بكلام الأتقياء وأنفسهم أنفس شيطانية يدعون الزهد وقلوبهم مريضة بحب الدنيا.. يدعون الولاية والمشيخة ويتصارعون عليها وهم أحوج ما يكونوا للتربية وسلوك الطريق بصدق..

 

وللأسف الكثير منهم أساء للتصوف ومنهجه العظيم ولأئمة التصوف الرجال أصحاب الهمم العالية والنفوس الزكية والقلوب السليمة والأرواح التي حظت بالقرب من حضرة مولاها جل جلاله . وللأسف أصبح معظم صوفية العصر يتاجرون بأقوال وأحوال الرجال ومنهم من يغرر المحبين والمريدين ويوهمهم أنه من أهل الله ويستغلهم أسوء الإستغلال .ومنهم من هو غير مؤتمن على النفوس والأعراض .ومنهم من يدعي أنه يملك النفع للمريدين والضر والعياذ بالله..

لأهل البيت وللصالحين حرمة 

الخلاصة أعتقد ان الصادقين من منتهجي منهج التصوف في هذا العصر قلة قليلة وصدق تعالى إذ قال في وصف المقربين (ثُلَّةٌ مِّنَ الْأَوَّلِينَ(13)وَقَلِيلٌ مِّنَ الْآخِرِين).. وهم شيوخ التربية الكمل الورثة المحمديين وهم المتخلقين بأخلاق الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم وعلى آله والمهتدين بهديه القويم..

 

تراهم أهل أدب وكمال وصدق و زهد وذوق وطهر وعفة وحياء وخشية وجود وكرم وأمانة وجبر خاطر وأهل حكمة ونور وبصيرة وفهم رباني، وهم أطباء النفوس والقلوب الخبراء في أمراض النفس وعللها العارفين الأدوية لكل داء وهم الذين أشار عز وجل إليهم بقوله (الرَّحْمَٰنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا)..

 

هذا ورحم الله سيد الطائفة الإمام الجنيد رضى الله عنه حينما قال منذ أكثر من ألف سنة (رحم الله الطريق إلى الله تعالى وأهله فلما يبقى منه إلا رسمه).. فلا تسيئوا إلى التصوف الحقيقي وأهله الحقيقين بما ترونه من سوء حال المنتسبين إليه شكلا، فلا يحكم على منهج بأدعياء يدعون الإنتماء إليه فكم من مسلم شكلا أساء للإسلام الحنيف وكم من جاهل مضلل قد أساء..


الجريدة الرسمية