رئيس التحرير
عصام كامل

ثلاثة أيام على الطريقة الليبية

التاريخ يتكرر وبشكل منهجي، ولا أحد يتعظ.. تفكك الاتحاد السوفيتي الراحل بثورة الغلاء في حوض جدانسك ببولندا، وتحولت المطالبات الشعبية يقودها ليخ فاونسا من الاحتجاج علي أسعار اللحم إلى الإطاحة بالحكومة. كان ذلك المسمار الأول في نعش الإمبراطورية السوفيتية وحلف وارسو.

وسقط نظام الرئيس الراحل حسنى مبارك، باحتجاجات ومطالبات شعبية معيشية، تحولت إلى ارحل بفعل مخططات خارجية استغلت السخط، وفي ليبيا طرابلس خرج الشباب الليبي في احتجاجات، تحولت إلى مظاهرات ضخمة، تطالب بالمياه والعلاج والكهرباء.. وكان وباء كورونا بدأ يعصف بالسكان والحكومة لاهية أو منغمسة في اتفاقات ترسيخ وجودها لحساب العثماني رجب أردوغان.
وقف النار في ليبيا : مبادرة أم مناورة ؟
في ثلاثة أيام متواليات تبدلت درجة حرارة المشهد العسكرى والسياسي في ليبيا..ففى الليلة السابقة على إعلان مبادرة عقيلة صالح رئيس البرلمان الشرعي المنتخب، ومبادرة فايز السراج رئيس المجلس الرئاسي بائع ليبيا لتركيا، كانت كل النذر تشير إلى احتدام الموقف علي الجبهة نحو سرت، وهو ما دعا إلى توجيه الرئيس السيسي بأن تصعد القوات المسلحة المصرية من جاهزيتها إلى أقصى درجات التأهب.. وكان أردوغان أعلن عن نواياه بالتقدم نحو الخط الاحمر، بقوات المرتزقة السوريين والدواعش يقودها ضباط أتراك. وتأكدت خطورة الموقف بإعلان الجيش الوطنى الليبي أنه مستعد للمعركة.

صباح اليوم التالي استيقظ العالم شرقا وغربا على إعلان السلطتنين المتنازعتين وقف إطلاق النار في الأراضي الليبية كافة، وبدء مفاوضات السلام وفق مخرجات مؤتمر برلين، وتحديد موعد في مارس المقبل لإجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية.. وكان بالمبادرتين فخ مشترك.. فقد كان مطلوبا نزع سلاح سرت والجفرة.. وتأمينها بقوات مشتركة من شرق ليبيا ومن طرابلس. قوات أمن طرابلس دواعش وميليشيات! التزم الجيش الليبي الصمت.. وإختفى أي كلام عن المشير خليفة حفتر.. ثم صدر بيان من المسمارى أن الجيش لايرفض. لكنه لم يقل أنه يقبل.

بعد ساعات.. تجلت المسرحية السياسية.. كاملة. وأعلن الجيش الليبي أن مبادرة السراج تسويق إعلامي.
نذر للحرب علي الاتجاه الغربي لمصر

 
بالفعل.. تسويق انساقت إليه عواصم المنطقة وبرلين وباريس وموسكو وواشنطن والجامعة العربية والأمم المتحدة. زفة سياسية واعلامية في استقبال جنين في بطنين !

مع صباح اليوم الثالث، قالت طربلس ومصراتة وترهونة في الغرب الليبي جميعها كلمتها الحاسمة. نزل مئات الالوف مطالبين بتحسين الأحول المعيشية، وطالبوا بمرتبات مثل تلك التى يحصل عليها الاتراك والمأجورين والميليشيات. " نبى دولارات زي.. الزلمات" وكالعادة، تحولت المطالب المعيشية إلى مطالب سياسية، باقالة حكومة الوفاق، وطرد الميلشيات. ووقف التدخل الأجنبي.

ولم تكن هذه الثورة التى تنمو ببطء إلا تعبيرا عن السخط العارم والغليان الشعبي من الاستعراضات الأمنية والهمجية يقوم بها الجند الأتراك وجند الميلشيات والمرتزقة، وسوء معاملة المواطنين الذين باتوا أغرابا في وطنهم، يعاملهم الاحتلال التركي معاملة الأسرى. السخط وقود الانفجار.. وأصبح العالم يتابع ما يجرى في الغرب الليبي، بينما إعلان وقف النار من عقيلة والسراج تراجع إلى الظل.
كرة النار التى تتدحرج إلي بيتك !
ومن الواضح أنه كان إعلانا عن وهم أكثر منه إعلانا عن حقيقة. فأردوغان لم يتوقف في وقت متزامن مع المبادرتين عن إرسال البوارج والطائرات بالمرتزقة..
ثورة الغرب الليبي، وإستعداد الجيش الوطني الليبي، ومبادرتا السلام، وجاهزية الجيش المصرية، وبوارج اردوغان ومرتزقته.. تضعها جميعا جنبا إلى جانب.. وتتوقع درجة التفاعل فيما بينها فإذا بمتغيرات جديدة تقلب الرؤية رأسا على عقب.


نحن بالضبط علي حافة الملعب نتابع هذه المتغيرات. تأتي من داخل عناصر الصراع.. أو من خارجها تماما .

الجريدة الرسمية