وقف النار في ليبيا : مبادرة أم مناورة ؟
بينما كانت نذر الاشتعال متصاعدة على حدود مصر الغربية، وإعلان الجاهزية العسكرية المصرية، لمواجهة الاحتمالات كافة، وبينما كان أردوغان أعلن عن تصعيد قوى في إتجاه سرت والجفرة، مما أوحى بهجوم وشيك، وبينما التقى مبعوث أمنى عسكرى مصرى كبير بالمشير خليفة حفتر، إذا بصباح اليوم التالي، نجد انقلابا في الموقف برمته..
ليتحول من ضجيج المدرعات، وتأهب المنصات الصاروخية، الى ضجيج البيانات السياسية التصالحية بين السلطتين المتصارعتين، السلطة التشريعية الشرعية وهي البرلمان ورئيسه صالح عقيلة، والسلطة الرئاسية التنفيذية الضالعة مع تركيا بقيادة فايز السراج.
نذر للحرب علي الاتجاه الغربي لمصر
استيقظ العالم على مبادرة في بيانين دون لقاء عقيلة والسراج ، واختفى تماما صوت وصورة المشير خليفة حفتر قائد الجيش الوطنى الليبي الذي يعمل تحت إمرة شرعية البرلمان. المبادرة ذات البيانين وضعت تحت رعاية امريكية وضغوط من واشنطن على أنقرة ، وبمشاركة عواصم فاعلة أهمها القاهرة وأبو ظبي ، وباريس ، وروما .
اتفق الطرفان علي وقف إطلاق النار في الأراضي الليبية كافة،
والالتزام بمخرجات مؤتمر برلين ، وحدد البيان مواعيد لإجراء انتخابات رئاسية
وبرلمانية ، مع إشارات إلى أن تكون سرت مقرا للمجلس الرئاسي الليبي.
رحبت القاهرة، ورحبت كل العواصم السابقة بالالتزامات المتبادلة
بين الطرفين المتصارعين ، وبعد ساعات خرج أردوغان ليرحب بالمبادرة، وليعلن أن
لمصر دورا بناء في إرساء السلام في ليبيا. بل إن السراج وجه الشكر لمصر وقيادتها..
تحول ٣٦٠ درجة !
ومع الوقت بدأت تسريبات تكشف عن الاتفاق على نزع سلاح سرت
والجفرة ، وتكوين قوة أمنية مختلطة لتأمينها ، ومختلطة تعنى قوات من داخلية الوفاق
، وقوات أمنية من بنغازى. قوات الوفاق الأمنية ليست كلها ليبية . بل دواعش
ومرتزقة مجنسون بالجنسية الليبية.. وهم أصلا في صراع عنيف مع قوات الأمن الليبية
الأصلية في طرابلس.
لقاح و"تلقيح" بطعم السياسة!
بالطبع فإن نزع سلاح سرت.. يعتبر مكسبا كبيرا لتركيا وللوفاق.. ولا يدرى أحد حتى الآن هل يعني ذلك سحب كل قوات الجيش الوطنى الليبي وتجهيزاته..
لدخول قوات الأمن المختلطة، وما هي الضمانات ألّا تكون خدعة حصان طروادة؟
وما موقف مصر الفعلي إزاء ذلك ، خاصة أنها والإمارات موافقتان
وترحبان بالاتفاق مع الوفاق..
كان أول أمس الجمعة يوم الاحتفال بالبيانين.. في اليوم التالى، السبت ، أرسل أردوغان طائرة محملة بدفعة جديدة من المرتزقة إلى غربي ليبيا.ما هي آلية تنفيذ المبادرة؟ وما هي الضمانات، وهل تم بالفعل إبعاد حفتر نزولا علي رغبة السراج؟ الثابت أن الجيش الليبي لم يعارض الاتفاق.. ولا رفضه.
الأيام القليلة القادمة ستكون اختبارا كاشفا للنوايا..
والمواقف.. حتى لا يلحق الاستقبال الحافل بالبيانين من عقيلة والسراج إلى سوابق
مماثلة عقب مؤتمر برلين.
كلام.. ولا تنفيذ.. وواقع يتم صنعه على الأرض لحساب تركيا. قدر كبير من التشاؤم منبعه نظرة واقعية.. وسوابق تاريخية.