رئيس التحرير
عصام كامل

حينما يتحكم بريق «السوشيال ميديا» في الضمائر

فجأة ودون سابق إنذار، يتحول مواطن ذو معاناة إلى بطل لقصة إنسانية؛ فتتبارى عليه الفضائيات لاستضافته، ويصبح «نقطة مضيئة» في اهتامامات الرأي العام، لمجرد أن معاناته انتشرت بقوة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وتجد آلاف الإعجابات تتوالى على صورته، وتعليقات أمثال، «هذا هو البطل الحقيقي.. هذا هو النجم الحقيقي.. لو كانت تلك المشكلة لفنانة مشهورة لتم حلها فوراً..»

 

وإلى غير ذلك من التعليقات العاطفية المدغدغة للمشاعر.. وسط كل هذا يصحو ضمير جميع العاملين في الجهات ذات الاختصاص لحل مشكلة المواطن، فيبادر «محافظ»؛ للسؤال عنه ويأمر مسؤول آخر بحل مشكلته بأقصى سرعة وفي أقرب وقت.
حكمة ولي الأمر في مواجهة شبح الثانوية العامة
وتصدر الأوامر المشددة من المسؤول بمراعاة حالة المواطن، وربما إصدار قرارات حاسمة بتأديب كل موظف «عبس في وجهه أو رفع صوته عليه»، وفجأة تظهر إنسانية المسؤول التنفيذي في أبهى صورها، وربما تورَّطت كبريات الفضائيات في الدعاية لتلك القصص، وتصدر عناوين أمثال «لفتة إنسانية.. توجيهات عاجلة لحل مشكلة المواطن.. »..

 

والأسئلة التي يؤرِّق البحثُ عن إجابتها أعصابنا، «لماذا تلك الأساليب في الدعاية للمسؤولين؟، ولماذا يتباهى المسؤولون بحل تلك المشاكل كما لو كانت هي الوحيدة في ربوع المصر التي لم تُحل؟ وهل يجب أن يفتضح أمر ذوي المعاناة عبر مواقع التواصل الاجتماعي حتى يتدخل المسؤول لحل مشكلته برأفة ورحمة وإنسانية مفرطة أمام الكاميرات؟ وماذا لو ظلَّت مشاكل المواطنين الذين تصدروا اهتمام مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي بعيدا – شآن آلاف المشكلات – عن أعين الكاميرات؟، وهل من المفترض أن تدير تلك المواقع ضمائر المسؤولين؟ أم الأجدى أن يتحركوا هم بأنفسهم ويبادروا بالبحث عن ذوي المشكلات لحلها؟.
هل ذنب «تونا الجبل» أنها قرية الحضارة؟
إن الأجدى لذوي المعاناة؛ لتجنيبهم ويلات الروتين والتعسف في تطبيق القرارات، أن توفر الدولة آلية تشريعية لصحافة قوية تشارك في الإصلاح بعرض مثل هذه الحالات، وتوقظ الدولة إدارات العلاقات العامة ومكاتب خدمة المواطنين بالوزارات من سباتها؛ لتتابع المواد الصحفية والإعلامية المنشورة وتتولى الرد عليها وتخطر المسؤولين بتوفير الحلول في تلك الوزارات.

إن كرامة المصريين، أهم من المتاجرة السياسية، واللقطات الإعلامية فلندعم صحافة حرة وإعلاما مؤثرا، ونسلط الضوء كما شئنا بعد ذلك على أي مسؤول تنفيذي يراعي ضميره ويعمل بإخلاص.. والله من وراء القصد.


الجريدة الرسمية