رئيس التحرير
عصام كامل

قصة حلوة في رسالة مفاجئة!

منحنا الله هذه المساحات للتعبير عن الرأي ليختبرنا كيف دافعنا عن المظلومين وكيف حرضنا علي الخير والحق والجمال.. ولا خير فينا إن لم نفعل ذلك..  
أمس.. إذ برسالة من إحدى السيدات.. لم أتشرف بمعرفتها سابقا سألتني سؤالا وأجبت.. وإذ بها ترسل لي هذه الرسالة المؤثرة.. ننشرها كاملة.. فلا تقبل الحذف وإن كانت تقبل بعض الإضافة..


إسمه المهندس وليد منير.. ربما كان اسما مستعارا.. وربما حقيقيا.. وربما حدث جزء من القصة.. وربما حدثت كلها.. لكن مؤكد حدثت بشكل أو بآخر.. بدرجة أو بأخري.. فيها يقول:

 

" فى سنة ٢٠٠٢، كنت بدرس بكلية الهندسة جامعة الإسكندرية.. وكان ليا اصحاب من مختلف طبقات المجتمع . وكانت ظروفى على قدها جدا، لأن والدى موظف بسيط ووالدتى ست بيت . وكان ليا أخت بتدرس بكلية الطب وهى حاليا دكتورة اطفال ومتجوزة..  

 أموال المصريين عند المدارس الخاصة يا دكتور شوقي !

المهم، جماعة من زمايلى اللى ظروفهم كويسة، حبوا يعملوا فيا مقلب.. وطبعا مقلب موجع أوى.. قالوا لى تعال بعد الكلية نتمشي شوية، ونشرب حاجة فى أى كافتريا بره.. . المهم خرجت معاهم وكانوا مجموعة شباب وبنات عددهم ١٠ وفي العادة، كان كل واحد بيحاسب لنفسه.

 

المرة دى، بعد ما كل واحد شرب المشروب بتاعه، بدأوا يتحججوا، وكل واحد يخرج من الكافية ويختفى ويبصوا لبعض ويبتسموا.. وأنا مش فاهم حاجة. لحد ما بقيت لوحدى، وماكانش معايا موبايل عشان أتصل بحد.

 

وبعد ساعه كاملة، فهمت إنهم كانوا قاصدين كدا. بس أنا ماشكتش فيهم.. ومش عارف كان دا غباء منى ولا طيبة زايدة. المهم قمت عشان أمشى فبسأل الكاشير، كم الحساب؟ قاللى ٢٥٠ جنيه!! وكل اللى معايا كان ٣٥ جنيه.. فاتصدمت..

 

قلتله، طيب ممكن صاحب المكان؛ فقال لى أوك. جالى راجل كبير فى الخمسينات.. وقاللى خير.. قلتله حصل كذا وكذا وحكيتله الموقف.. وقلتله بكرة حاجيبلك المبلغ.. وخلى كارنيه الكلية وبطاقتى الشخصية معاك ضمان لحقك..  
فضحك وقاللى، عيب يابنى خللى كارنيهك وبطاقتك معاك.. وتعال بكرة أو بعدة، أو وقت ما يكون معاك وادفعهم. ولو مجتش خالص مسامحك.. أنا عينيا دمعت من الموقف.. ومشيت وجيتله تانى يوم، اديتله 250 جنيه اللى كنت محوشهم.. واخدهم بالحاح شديد منى.

"أوجاع" معهد القلب!
وخلصت كليتى بعد سنة، وسافرت المانيا وربنا ادانى من فضله الحمد لله.
وبعد ١٠ سنين كنت خلصت الماجستير والدكتوراة.. واشتغلت فى شركة متوسطة هنا فى ميونخ.. ورجعت مصر في اجازتى العادية.. وسبحان من خلانى أمشى لحد الكافية دا في اليوم دا.. قلت أروح أسلم عالراجل دا.. ولقيت الكافية مقفول..

 

سألت على عنوانه، خفت لا يكون مات كنت هازعل جدا.. رحت له البيت لقيته هناك وفتحلى الباب بنفسه.. وقاللى مين حضرتك يابنى؟؟ فذكرته بنفسى، وإفتكرنى بعد معاناة.. قلتله أنا جاى أزورك وأطمن عليك.. وأسألك ليه قافل الكافية بتاعك؟؟

 

قاللى، يابنى أنا الديون زادت عليا من الضرايب والفواتير والمصاريف.. وماكنتش قادر أدفع مرتبات العمال لأن الكافية مابقاش يكسب زى الأول.. قلتله إنت عليك كام وترجع تفتحه تانى؟ قاللى مبلغ كبير يابنى.. وبعد إصرار منى قاللى عليا حوالى 120 ألف جنيه.


قلتله طيب ممكن بكرة اتغدا عندك؟ قاللى يابنى أهلا بيك وتنور.. تانى يوم العصر جيت له، وكان مجهز غدا حلو اوى . واتغديت معاه.. وبعد كدا اديتله اكتر من المبلغ اللى قال عليه.. قاللى دا ليه يابنى؟ قلتله أنا خلال اسبوع بالكتير عايز آجى اشرب قهوة في الكافية، ممكن؟

 

كان رفضه شديد.. وهو مش مصدق الموقف أساسا وبيترعش.. وأنا إصرارى كان أشد.. فلما لقى مفيش فايدة، قال لى تعرف يابنى، أنا امبارح صليت لربنا وطلبت منه وأنا ببكى ومش مصدق إن ربنا إستجاب بالسرعة دى..

لقيته فضل يبكى لحد ماقلبى وجعنى. قلتله ها طيب آجى الكافية بعد أسبوع أشرب قهوة؟ ممكن؟ ولا أجيب ماكنة القهوة معايا وأنا ببتسم؟

 

فابتسم وقاللى، ثوانى طيب هعملك ورقة بالمبلغ دا عشان أسددهولك لما ربنا يكرمنى.. قلتله فاكر إنت قلتلى إيه لما قلتلك هاسيبلك البطاقة؟ قلتلى تعال وقت ما يكون معاك، ولو ماجتش مسامحك.. وأنا برضوا هاقولك مش هاخد ورق.. وبرضوا مسامحك جدا..

التطبيع وعظمة شعبنا ! 

فحضنى حضن جامد اوى وهو بيبكى. وقلتله هاستاذنك دلوقتى وبعد أسبوع هاجى الكافية وأنا ببتسم..

 

عمر ربنا ما بينسى اللى بيعمل أعمال رحمة. وخصوصا مع الناس اللى فى ظروف صعبة وكله بتدابير الله.. سبحان من خلانى أنزل اجازة في الوقت دا تحديدا.. وسبحان من خلاه ييجى على بالى.. وسبحان من خلانى اروحله الكافية.. وسبحان من سخر ليا راجل غريب في الشارع يعرف عنوان بيته ويوصلنى ليه.. فعلا إلقى خبزك على وجه المياه فإنك تجده بعد أيام كثيرة.. الله لا يترك إنسان عمل له حاجة حتى لو بعد حين "!
انتهت الرسالة الحلوة.. يا بخت من تصل إليه!

الجريدة الرسمية