صفات عباد الرحمن
سألت شيخي يوما عن مقام العبودية ووصف عباد الرحمن في القرآن وعن وصف الله تعالى لهم باسم الرحمن بالتحديد ولم ينسبهم سبحانه إلى اسم آخر من أسمائه عز وجل..
فأجابني قائلا: إعلم بني أن مقام العبودية هو مقام العز والشرف والكرامة والتكريم وهو الأصل لكل المقامات، وهو المقام الذي لا يرقاه مقام ففيه يشرف العبد بالانتساب إلى ربه تعالى ومولاه جل في علاه.. وجوهر العبودية يكمن في الولاء والطاعة الخالصة لله تعالى وذل العبد وعجزه وخضوعه وانكساره وافتقاره وعوزه الكامل لله تعالى..
ولشرف مقام العبودية نسب الله تعالى رسوله إليه بصفة العبودية فقال سبحانه: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا ۚ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ}.. ولعظم شرف مقام العبودية نطق به السيد المسيح عليه السلام وهو طفل رضيع حيث قال: {إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا} ..
وفي مقام التباهي والافتخار بمقام العبودية يقول الإمام علي ابن أبي طالب كرم الله وجهه متفاخرا: كفى لي فخرا أن أكون لك عبدا.. وكفى بي عزا أن تكون لي ربا.. أنت لي كما أحب فوفقني لما تحب..
هذا وأما عن صفات عباد الرحمن فهي عشر صفات ذكرها الحق سبحانه وتعالى في سورة الفرقان وهي تشير إلى التواضع والحلم وقيام الليل لله تعالى بالسجود والقيام والتبتل والدعاء والتضرع. والاستجارة من عذاب جهنم وإلى الوسطية والاعتدال في كل الأمور وخاصة في الإنفاق وإلى التوحيد الخالص لله تعالى.. وإلى خشية الله تعالى وحرمة الدماء.. وإلى الطهر من الفواحش والزنا .
وقول الحق وعدم شهادة الزور .. وإلى الوقار والاحترام والهيبة.. وإلى النظر في كلام الله تعالى وآياته في الخلق والنظر والتدبر والإمعان والتفكر فيها.. ودعاء الله تعالى بصلاح الزوجات والذرية والتقوي والصلاح..
يقول الله تعالى في وصفه لهم: { وَعِبَادُ الرَّحْمَٰنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا (63) وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا (64) وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ ۖ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا (65) إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا (66) وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَٰلِكَ قَوَامًا (67) وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَٰهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ ۚ وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ يَلْقَ أَثَامًا (68) يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا (69) إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَٰئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ ۗ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا (70) وَمَن تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا (71) وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا (72) وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا (73) وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا (74) أُولَٰئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلَامًا (75) خَالِدِينَ فِيهَا ۚ حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا}.
هذا وأما عن نسبة الله تعالى لهم إليه سبحانه بصفة الرحمة وإسم الرحمن كما قال.. وعباد الرحمن.. دون إسم آخر من أسماءه عز وجل. إشارة إلى رحمة الله تعالى ولطفه ورحيميته تعالى بهم فهو رحمن رحيم رؤوف لطيف بهم يكلاؤهم برحمته ويشملهم بعنايته ويقلبهم في بحر رحمانيته ذلك البحر الجامع لكل مظاهر العطاء والفضل الإلهي والذي لا أول له ولا آخر ..
هنا سألت شيخي عن الإيمان وصفات المؤمنين .. هذا ما سوف نتحدث عنه في اللقاء القادم بمشيئة الله تعالى.. رحم الله أبي وشيخي فقد كان بحرا زاخر بالعلوم والمعارف ..