رئيس التحرير
عصام كامل

تزكية النفس وإطمئنان القلب

في إحدى حواراتي مع استاذي وشيخي رحمه الله تعالى سألته عما تتزكى به النفس ويطهر به القلب ويطمئن وينشرح به الصدر.. فأجابني قائلا: يلزم السالك في طريق الله تعالى عدة أمور لابد منها حتى يتحقق له ذلك..

 

أولا، صحبة وملازمة شيخ مربي كامل عالم في الشريعة عارف بالحقيقة صاحب نور بصيرة خبير بأمراض النفس وعللها حتى يعلمه أصول الدين وصحيحه وما تصح به العبادات والمعاملات ويعينه على تزكية نفسه وطاعة ربه وعلى السالك أن يلزم الأدب في صحبته ويلتزم بتوجيهه ونصحه وإرشاده وأن يعود إليه فيما يجد من نفسه.

أهل السعادة في الدنيا والآخرة

ثانيا، يلزم مصاحبة الصالحين ومودتهم والإجتهاد في خدمتهم حتى ينتفع بسرهم وبركاتهم وعليه بمجانبة الغافلين وصحبة السوء..

 

ثالثا، يلزم إقامة أركان الدين والمحافظة عليها وخاصة الصلاة.. وعليه بعد إقامة الفرائض الإجتهاد في عبادات السنن والنوافل..

 

رابعا، عليه بقلة الطعام حتى تضعف شهوته، وقلة الكلام كي يلقح فكره.. وقلة المنام ليصهر روحه ويضعف بشريته..

 

خامسا، عليه الإجتهاد في ذكر الله تعالى فهو باب الوصول وبه تتزكى النفس وينشرح الصدر ويطمئن القلب يقول سبحانه: {الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ ۗ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوب}.. وفي الحديث القدسي يقول سبحانه: "أنا جليس من ذكرني . أنا حبيب من ذكرني . أنا أنيس من ذكرني. من ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي. ومن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ عندي خير من ملأه"..

 

ويقول تعالى أيضا في الحديث القدسي: "أنا مع عبدي ما تحركت شفتاه بذكري".. و يقول عز وجل فى حديث قدسى آخر: "من شغله ذكري عن مسألتي.. أي عن الطلب مني.. أعطيته أفضل ما أعطي السائلين"..

سر الصراعات بين البشر 

هذا وقد روي أن النبي الكريم صلى الله عليه وسلم وعلى آله كان جالسا مع جمع من الصحابة رضي الله عنهم فقال لهم: ألا أنبئكم بخير أعمالكم وأزكاها عن مليككم وأرفعها في درجاتكم وخير لكم من إنفاق الورق والذهب والفضة وخير لكم من أن تلقوا عدوكم فتضربون أعناقهم ويضربون أعناقكم.. أي الجهاد في سبيل الله.. قالوا: بلى يارسول الله.. قال: ذكر الله..

 

وسئل صلى الله عليه وسلم وعلى آله عن خير الأعمال فقال: أن تلقى الله ولسانك رطب بذكره".. هذا وذكر الله تعالى له وجوه متعددة وليس كما يظن البعض أنه قاصر على ذكر اللسان بقراءة القرآن والتسبيح والتحميد والتهليل والإستغفار والصلاة على النبي الكريم صلى الله عليه وسلم وعلى آله، وجملة ما ورد في الأذكار التي إستنها لنا الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم وعلى آله، بل إن لكل جارحة من جوارح الإنسان لها ذكر يسمى بذكر الجوارح وهي كالتالي:

 

ذكر اللسان بجانب ما ذكرناه مسبقا.. الإمساك عن الغيبة والنميمة وشهادة الزور والقول الفاحش البذئ.. وذكر العين الغض وعدم النظر إلى الأعراض وما حرم الله تعالى.. وذكر الإذن بإجتناب التصنت والتجسس وإستماع الغيبة والنميمة.. وذكر العقل بالتفكر والتدبر والتأمل في آيات الله تعالى وبديع صنعه عز وجل..

 

وذكر الأيدي ألا تطبش وألا تؤذي وألا تمتد إلى ما حرم الله تعالى ونهى عنه.. وذكر الصدر أن لا يحمل غلا ولا غشا ولا كراهية ولا ضغينة ولا حسد لأحد ولا غيرة من أحد.. وذكر البطن ألا يدخل فيها طعام من حرام أو فيه شبهة بالتحري في المطعم..

 من أرادها بسوء أهلكه الله

وذكر الفرج أن يجنب الزنا واللواط .. وذكر القدم أن يمسك من خطوات السوء والشر والمعصية.. هذا عن ذكر الله تعالى بالجوارح وهناك ذكر القلب ويأتي على أثر الإستقامة والمداوة على ذكر الجوارح ثم هناك ذكر الجنان وهو ذكر كل خلجات وملكات وذرات العبد وهو أعلا مراتب الذكر ولا يصل إليه أحد إلا بفضل الله تعالى والإستقامة على ما ذكرناه والمداومة عليه..  

 

من هنا وعلى أثر ذلك تتزكى النفس ويطمئن القلب وينشرح الصدر ويتم الوصل بالله تعالى.. يقول سبحانه وتعالى: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا ۚ وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ}..

الجريدة الرسمية