لقاح و"تلقيح" بطعم السياسة!
لن يفاضل الغريق وسط البحر الهائج بين قشة روسية أو أمريكية، بل سيتشبث بأقربها إليه وهو يصارع الموت، وينشد الحياة. هذا حال البشر اليوم، في كل الدنيا؛ فمنذ خروج الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على العالم أونلاين من مكتبه يزف نبأ تنتظره البشرية على أحر من الجمر، وعيون العالم تتوجه بالرجاء نحو موسكو.
قال بوتين إن روسيا نجحت في تطوير لقاح، هو أول لقاح من نوعه، مضاد للفيروس القاتل المتفشي حاليا. قال بوتين إن الفيروس آمن تماما وفعال تماما وله فعالية مستديمة. وقرن النبأ المثير بأن إحدى ابنتيه تم حقنها باللقاح، وهي في حالة جيدة، وكانت الأعراض بعد الحقن بالفيروس التجريبي مجرد ارتفاع طفيف في درجة الحرارة.
الملء الأمريكي الأول في لبنان بعد إخراج إيران!
بمجرد إعلان روسيا عن نجاحها في تصنيع اللقاح وعزمها تطعيم من يريد من الشعب في أكتوبر المقبل بعد إنتاج ملايين الجرعات منه بعد أسبوعين من الآن، وبمجرد إعلان روسيا أن ٢٠ دولة تريد مليار جرعة من اللقاح الروسي، منها دول عربية، حتى بادرت الولايات المتحدة، لا بالتهنئة، بل بالتشكيك!
دكتور
فاوتشي مستشار ترامب في جائحة كورونا ومدير مركز الفيروسات والأمراض المعدية قال
إنه يشك في فعالية اللقاح وأمانه للمتعاطين. وشاركت في العزف الوول ستريت جورنال، ودخلت
علي اللحن الجنائزي وزارات الصحة في بلدان أوروبية. الغرقي وأقاربهم والمحتضرون
وأقاربهم يتعلقون بالقشة الروسية، بينما مضت الغيرة السياسية والعلمية تمتص دواعي
الفرحة .
بدلا من مناقشة الروس، شكك الغرب في سلامة وكفاءة المصل . بدلا من طلب بيانات ومعلومات أعلن الروس استعدادهم لمشاطرة العالم فيها، اكتفت الجهات السياسية على جانبي الأطلنطي، أوروبا وأمريكا، بأن المصل الروسي لم يستوف كل شروط المرحلة السريرية الثالثة، ويقصدون استخدامه على الأعداد الغفيرة في بيئات وأعمار مختلفة. الروس بالفعل طبقوه في جنود وأفراد وأطباء، وفي البرازيل حيث ترعى الكورونا في أجساد الضحايا، وهم أعلنوا أنه فعال، ويحقق مناعة، ويخلق أجساما مضادة قوية.
بعض
العلماء المحايدين قالوا إن المصل الروسي سيكون فعالا فقط في حالات المرضى ما بين
سن العشرين والخمسين، وأنه لم يحقن به أحد من سن ما بعد الخمسين.
ملاحظات على جائحة الأمونيا النووية!
ويلفت
النظر أن ترامب أراد الآ يحتكر بوتين اللقطة وحده، فخرج علي الناس أمس يعلن أن
لديه نبأ سارا، وهو التعاقد مع شركة موديرنا علي ١٠٠ مليون جرعة من اللقاح الأمريكي
المنتظر.
بالنسبة
للبشر في أي مكان في العالم ؛ فإن نوع الماركة ليس يهم، خصوصا عند مصارعة الموت
والتعلق بنسيم الحياة، لكن الأمر بالنسبة للدول الكبرى؛ فإن المهم هو كلمة أنا
الأول! أول من ابتكر، أول من اخترع، أول من صنع.. أول من قتل!
بالنسبة
لنا في مصر ، فإن أهالينا اعتبروا الفيروس مات أو زهق وفر هاربا.. وسيطر عليهم هذا
الأمان الكاذب لأسبوعين مع تراجع الإصابات.. حتى إذا عاد الفيروس للهجوم وفتحت
المعازل من جديد، تعلقت قلوب المصريين باللقاح الروسى، ولا احد عندنا لديه اي
استعداد لقبول الحرب السياسية على مصل إنساني.
على الحبشة أن تحذر الغضب المصرى العارم!
علي
العموم ؛ فقد خرجت هيئة الغذاء والدواء الأمريكية التي تعتمد أي دواء في الأسواق، بتصريح
أظنه يضرب تصريحات دكتور فاوتشي المتشككة في اللقاح الروسي. قالت ال FDA انها ستجيز أي مصل تبلغ فعاليته ٥٠٪.
وقد
لا تمر أيام، تحت ضغط الشو الطبي العلمي الروسي، حتى تعلن أمريكا وبريطانيا عن
تمام التحقق من مصل موديرنا، ومصل اكسفورد.. وتلاحقهما الصين بمصليها هي الأخرى.
نعم تعمل على مصلين مهمين. اللعبة
بشعة.. ربما بأكثر من رائحة ضحاياها من صرعى الكورونا.