هل الإعفاء من الوظيفة.. جزاء تأديبيً؟
تقف المجالس التشريعية ببعض الدول في حيرةٍ من أمرها إزاء ما تراه من إبداعات مجلس الدولة الذي ليس له نظير لديها، إذ تصدر أحكامه في الطعون المنظورة أمامه وكأنها تشريع وحكم في آنٍ واحد، ويجد المتخصص في القانون بشأن تلك الأحكام ردودًا لأسئلة كثيرة، يظنها البعض ثغرات في القانون، بينما تأتي تلك الأحكام لتوصد الباب في وجه أولئك الذين يتصيدون الثغرات التشريعية وترد عليهم قصدهم.
ويكشف
أحد هذه الأحكام أن هناك شروطًا يلزم توافرها لقبول الدفع بحجية الأمر المقضي به،
وهي أن يكون الحكم السابق قضائيًا وقطعيًا، وأن يكون التمسك بالحجية في منطوق
الحكم لا في أسبابه إلا إذا ارتبطت الأسباب بالمنطوق إرتباطًا وثيقًا بحيث لا يقوم
بدون هذه الأسباب.
حكاية ميس برلين مع النيابة الإدارية (1)
كما
يشترط أن يكون هناك اتحاد في الخصوم واتحاد في المحل والسبب، على أن يكون الحكم
صادرًا من جهة قضائية لها الولاية في إصداره بموجب سلطتها أو وظيفتها القضائية،
ومعنى أن يكون هذا الحكم قطعيًا أن يكون قد فصل في موضوع النزاع، والمقصود باتحاد
السبب هو وحدة مصدر الحق المطالب به.
جاء
ذلك عبر أسباب حكم قضائي مهم أصدرته المحكمة التأديبية لمستوى الإدارة العليا
بمجلس الدولة، وقالت إن الدفع المبدى من المحال الأول بعدم جواز نظر الدعوى لسابقة
الفصل فيها بصدور القرار الإدارى رقم (815) لسنة 2018 بعقابه بإعفائه من منصبه وهو
ما يعد جزاءً إداريًا حقيقته الفصل من الخدمة، وبالقرار الصادر فى القضية رقم
(272) لسنة 2018 حصر أموال عامة بإنتفاء شبهة العدوان على المال العام.
فإن
المادة (101) من قانون الإثبات في المسائل المدنية والتجارية الصادر بالقانون رقم
(25) لسنة 1968 تنص على أن: الأحكام التي حازت قوة الأمر المقضي تكون حجة فيما
فصلت فيه من الحقوق، ولا يجوز قبول دليل ينقض هذه الحجية ولكن لا تكون لتلك
الأحكام هذه الحجية إلا في نزاع قام بين الخصوم أنفسهم دون أن تتغير صفاتهم وتتعلق
بذات الحق محلًا وسببا، وتقضي المحكمة بهذه الحجية من تلقاء نفسها.
لماذا تعدى سامح كمال على سلطة المشرع؟
ويشترط
لقبول الدفع بعدم قبول الدعوى لسابقة الفصل فيها وجود حكم قضائى قطعى فى دعوى اتحد
فيها الخصوم والمحل والسبب مع دعوى أخرى لازالت منظورة لدى القضاء، وإذ لم يقدم
المحال الأول أى حكم قضائى قطعى سبق صدوره فى دعوى اتحدت مع الدعوى الماثلة فى
الخصوم والمحل والسبب.
وقرار
إعفاء المحال من وظيفته، لا يعد جزاءًا تأديبيًا ولا يعدو أن يكون استعمالًا
مشروعًا لجهة الإدارة لسلطتها التقديرية في تغيير رئيس مجلس إدارة الهيئة، خاصة
وأن رئاسته لمجلس الإدارة كانت محددة بعام واحد فقط.
أما
فيما يتعلق بالقرار الصادر فى القضية رقم (272) لسنة 2018 حصر أموال عامة بإنتفاء
شبهة العدوان على المال العام، فإن قضاء المحكمة الإدارية العليا قد إضطرد على
إستقلال الجريمة التأديبية عن الجريمة الجنائية، ومن ثم فإن هذا القرار ليس من
شأنه أن يغل يد المحكمة عن بحث المخالفات الإدارية المنسوبة للمحال والتحقق مما
إذا كانت تشكل جريمة تأديبية من عدمه.
طارق شوقي بين السماء والأرض
وهكذا
تكشف أحكام قضاء مجلس الدولة عدم وجود ثغرات تشريعية، بقدر ما هو سوء فهم القوانين،
أو سوء نية بعض المتقاضين.. وللحديث بقية