رئيس التحرير
عصام كامل

عندما يكون الاحترام جريمة

هل أجرمنا عندما احترمنا خصوصية الشقيقة ليبيا ورفضنا التدخل في شئونها الداخلية طوال السنوات الماضية؟ وهل أجرمنا عندما احترمنا رغبة إثيوبيا في التنمية وسمحنا لها ببناء سد النهضة شريطة ألا تضرنا؟

وهل أخلاقيات العالم تغيرت وأصبحت البلطجة شعار المرحلة الحالية؟ أم أن البلطجة متجذرة وانخدعنا نحن في مظاهر كاذبة؟

عندما انتشر فيروس (كورونا) وأصاب العالم بالهلع.. انكشف زيف من كنا نراهم كباراً، وظهرت الصورة الحقيقية لمن صدعونا بالأمانة والأخلاق وحقوق الإنسان واحترام الغير، فرأينا دولا كبرى تمارس البلطجة وتسطو على سفن محملة بمعدات طبية كانت في طريقها إلى دول أخرى.

طبول الحرب


أسقط (كورونا) الأقنعة لتتساوى دول عظمى مع عصابات المافيا، أما نحن العرب فلم نسطُ وكنا الطريق الآمن لمرور ما يلزم من شحنات طبية، بل بادرنا وساعدنا قدر استطاعتنا.

قانون البلطجة وعدم احترام حقوق وخصوصية الغير لم يظهر مع (كورونا) لكنه سبقها بسنوات، حيث تجلى في العراق منذ الغزو الأمريكي لها، لينتقل بعد ذلك إلى سوريا وليبيا حيث البلطجة التركية .

أما مصر فظلت متمسكة باحترام حقوق الشعب الليبي وخصوصيته، وكان بإمكانها أن تغير جغرافيا المنطقة لصالحها، وتحصل على النصيب الأكبر من ثروات يسعى الغير لاقتسامها.

الشقيقة ليبيا وهي في أضعف حالاتها لم تجد من مصر إلا مساندة وحرصا على وحدة أراضيها.

معنا أم علينا؟
وفي المقابل.. استخدم أردوغان بلطجته المعتادة في ليبيا بعد سوريا والعراق، منتهزاً أزمتها وضعفها، ليجهز على ثرواتها، ويهدد أمن جيرانها، على مرأى ومسمع من العالم كله، ولم تكن روسيا هي الأخرى ملاكاً حط في الأراضي الليبية لحماية شعبها، فأطماع بوتين لا تختلف عن أطماع أردوغان، وقد سبق للاثنين خوض نفس التجربة في سوريا.

أما أمريكا فنصيبها محفوظ، وربما كانت المشرف على تقسيم التورتة، وبالطبع.. مساعي فرنسا وإيطاليا لم تتوقف، والدور الإسرائيلي لم يغب فقد فضحه وجود (برنارد ليفي) في أحضان حكومة الوفاق التي لم تقدم مبرراً حتى الآن لتنزهه في شوارع ليبيا محمياً بسيارات حراسة داخليتها.

هل كان على مصر أن تستخدم هي الأخرى قانون البلطجة في ليبيا؟ وهل كانت الدول الكبرى التي تعرت من أخلاقها ستسمح لها بذلك رغم شرعية دخولها لحماية أمنها القومي كما فعل أردوغان في سوريا والعراق؟

وفي إثيوبيا التي تمارس حكومتها البلطجة.. حرصت مصر على احترام حقها في التنمية، ورغم فشل دولتي المصب في إثنائها عن التصرف الأحادي.

وبرغم استفزار رئيس الوزراء ووزيري الخارجية والري، فإن مصر لا تزال متمسكة بالحل السلمي، ولا يزال احترام الجانب الإثيوبي يتصدر تصريحات المسئولين المصريين، فهل كان على مصر أن تبادر بهدم السد وتمارس نفس البلطجة الإثيوبية؟ وهل كان العالم سيسمح لها بذلك؟

"نفحة" للناس الغلابة 

إذا كانت القوة والبلطجة هي الشعار السائد في العالم كله.. فعلى مصر أن تستخدم نفس الشعار، لأن الواقع يؤكد أن الاحترام والتحلي بالأخلاق أصبح هو الجريمة الحقيقية.
besheerhassan7@gmail.com

الجريدة الرسمية