سر الصراعات بين البشر
عندما نستعرض التاريخ البشري منذ أن وضع الإنسان أقدامه على الأرض منذ لحظة قتل قابيل أخاه هابيل حتى الآن بل إلى أن تنتهي الحياة في الأرض وتفنى الدنيا سنجد أن الصراعات دائمة على مر الأزمنة لم ولن تتوقف بين بني البشر..
وإذا توقفنا عند السبب الرئيس وراء تلك الصراعات الطاحنة والتي على أثرها سفكت دماء المليارات من البشر نجد أن السبب الرئيسي هو الطمع وجشع النفوس المريضة والأنانية وحب الاستحواذ..
نعم إنه الطمع، داء إبليس، ذلك الداء الذي سقى منه قابيل حتى سولت له نفسه بوازع من الشيطان قتل أخاه الطيب المسالم العبد الصالح هابيل عليه السلام ولم يقتصر الأمر عند قابيل بل امتد إلى كل من على شاكلته من أصحاب الأطماع و النفوس المريضة..
هذا وإذا تحدثنا عن مكمن سر عداوة الشيطان للإنسان نجد كما ذكرنا هو الطمع وبدأت القصة منذ لحظة إخبار الله تعالى الملائكة بأنه سبحانه جاعل له في الأرض خليفة، وذلك من قبل خلق أبو البشر أبينا آدم عليه السلام، ومعلوم أن إبليس قبل أن يتربى في عالم الملكوت بين الملائكة ينتسب إلى الأرض فعليها خلق ولم يفارقه الحنين والرجوع إليها..
ونعلم أن إبليس كانت له منزلة ومكانة بين الملائكة حتى إنه قيل إنه وصل إلى رتبة طاووس الملائكة وكان من المقربين.. وبالرغم من تلك المنزلة والمكانة ظل قلبه متعلقا بعالم الأرض ولم يفارقه حنينه إليها فلما سمع بإخبار الله تعالى أنه جاعل له سبحانه في الأرض خليفة فرح وطمع في الخلافة وتطلع في نفسه إليها.
بعد ذلك خلق الله تعالى أبينا آدم عليه السلام وعلم إبليس أنه المعنى بالخلافة وليس هو، هنا امتلأت نفسه النارية حقدا وحسدا وغيرة من أبينا آدم وبدأت عداوته لأبو البشر وذريته ولم يخف ذلك العداء بل أعلنه في خطابه لله تعالى.. يقول عز وجل في ذلك على لسان إبليس: {قَالَ أَرَأَيْتَكَ هَٰذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلًا}..
وبالفعل نجح إبليس في بث الطمع وبذور الشر في نفس قابيل الابن الأكبر لآدم حتى سولت له نفسه قتل أخيه بسبب الطمع والحسد والحقد والغيرة والقصة معلومة وهي بإيجاز .
ولدت أمنا حواء في البطن الأولى ذكر وأنثى وكذلك في البطن الثانية فأمر الله تعالى أبينا آدم عليه السلام أن يزوج الولد من البطن الأولى بالأنثى التي ولدت في البطن الثانية والعكس.. فلم يرضى قابيل بحكم الله وإتهم أبيه بأن هذا اختياره وليس إختيار الله تعالى، وكان يظن في نفسه أن أخاه هابيل أحب إلى أبيه منه فرد آدم الأمر لله تعالى، فأمر سبحانه أن يقدم كل منهما قربانا لله تعالى وكان قابيل يعمل في الزراعة وهابيل يعمل في تربية الأغنام فجاء قابيل بأردأ ما عنده من الزرع وجاء هابيل بأحسن ما عنده من الغنم..
ورفع قربان هابيل دلالة على القبول ولم يتقبل الله من قابيل.. يقول تعالى في هذا: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ ۖ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ}.. هنا نفث إبليس في نفس قابيل سموم الحسد والحقد والطمع وعلى أثر ذلك سولت له نفسه قتل أخيه..
يقول الله تعالى: {فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ}.. وكانت دماء هابيل هي أول دماء سفكت وسالت على الأرض بسبب الطمع والحسد ومن وقتها إلى يومنا هذا تسفك الدماء وتخرب البلاد على أثر الحروب المشتعلة على مر العصور والأزمنة ويزداد حال العباد سوءا ، كل ذلك أساسه ومنشأه الطمع والحسد والأنانية وحب الاستحواذ وفرض النفوذ والسيطرة وعدم القناعة والرضا بقسمة الله تعالى..